للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يدهده]: أي يدحرج، وَزنه ومعناه.


= فتطردهم فتكون من الظالمين" (٥٢ من سورة الأنعام).
وقال تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" (من سورة الكهف). ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذ لم يروا الذين ازدروهم "وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار" (٦٣ من سورة ص).
قيل يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم، ثم كان منهم من منعه الكبر عن التفكر والمعرفة فجهل كونه صلى الله عليه وسلم محقاً، ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف، قال الله تعالى مخبراً عنهم: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" (من سورة البقرة). وقال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً" (من سورة النمل).
الثالث: التكبر على العباد.
وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه عن الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف من مساواتهم، وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضاً عظيم من وجهين: أحدهما أن الكبر والعظمة والعز والعلاء لا يليق إلا بالملك القادر، فأما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء، فمن أين يليق بحاله الكبر؟ فمهما تكبر العبد فقد نازع الله في صفة لا تليق إلا بجلاله، ومثاله أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت وما أعظم تهدفه للخزي والنكال، وما أشد استجراءه على مولاه، وما أقبح ما تعاطاه! وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته" أي أنه خاص صفتي، ولا يليق إلا بي والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي. وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه، وقد نازع الله في حقه.
الوجه الثاني: الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره؛ لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله وتشمر لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال: "وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" (٢٦ من سورة فصلت).
فكل من يناظر للغلبة والإفحام لا ليغنم الحق إذا ظفر به فقد شاركهم في هذا الخلق، وكذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال الله تعالى: "وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم" (من سورة البقرة). وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: "كل بيمينك، قال لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا استطعت فما منعه إلا كبره قال فما رفعها بعد ذلك" أي اعتلت يده، رواه مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهم، وتكبر إبليس على آدم بالنسب: "قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين" (١٢ من سور ة الأعراف). خالف أمر الله تعالى فكان سبب هلاكه أبد الآباد، وقد شرح صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين:
(أ) بطر الحق.
(ب) غمص الناس.
وقد عد الإمام الغزالي سبعة أسباب يتطرق إليها الاستعظام، واعتقاد صفة الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي؛ فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار.
أولاً: العالم يتعزز بعزة العلم ويستشعر في نفسه جماله وكماله ويستعظم نفسه، ويستحقر الناس، وهذا العالم خبيث الدخلة ردئ النفس سيء الأخلاق مشتغل بالصناعات كالطب والحساب واللغة والشعر، بعيد عن العلم الحقيقي الذي يعرف به ربه ونفسه، وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه. قال تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" (من سورة فاطر). =

<<  <  ج: ص:  >  >>