(٢) فعل معه كذبة واحدة، والمعنى يصدق الإنسان في كل أقواله وأفعاله حتى لو مازح، أو داعب، أو نادى طفلاً، ثم لم يؤدّ ما قال فيحسب عليه أنه كذب: أي خالف الواقع ففيه التحذر واليقظة، وتحري الصدق في كل شيء. (٣) استفهام منه صلى الله عليه وسلم ليستبين قولها، وليعطيها درساً في الصدق: أي هل أردت عطاءه؟ وهنا تدفقت الحكمة وصادفت أهلها ووقعت في النفس موقع الماء العذب للظمآن. أفهمها صلى الله عليه وسلم أن نادته لتقدم له شيئاً ولم تنفذه، كتبت كذبة واحدة في صحيفتها كما قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (١٨ من سورة ق). إن هذا أمر يسير سهل نغفل عنه ونتهاون في إرسال القول، ولكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرنا بتقييد ذلك بأنه عدم وفاء، وكذب صراح: لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو فعله السوء أو من قلة الأدب لبعض جيفة كلب خير رائحة ... من كذبة المرء في جد وفي لعب إياك من كذب الكذوب وإفكه ... فلربما مزج اليقين بشكه ولربما كذب امرؤ بكلامه ... وبصمته وبكائه وبضحكه إذا عرف الإنسان بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذابا ولو كان صادقا فإن قال لم تصغ له جلساؤه ... ولم يسمعوا منه ولو كان ناطقا (٤) واد في جهنم يعذب فيه الكذاب الماجن المتهاون في كلامه، ثم كرر صلى الله عليه وسلم الثبور والهلاك له.