للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا الوجهين (١) الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ (٢) " رواه مالك والبخاري ومسلم.

٢ - وعن محمد بن زيدٍ أن ناساً قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: "إننا ندخلُ على سُلطاننا فنقولُ بخلافِ ما نتكلمُ (٣) إذا خرجنا من عنده، فقال: كنا نَعُدُّ هذا نفاقاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري.

٣ - وعن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذُو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة، وله وجهان من نارٍ (٤) " رواه الطبراني في الأوسط.


(١) الطائفتين المتضادتين فيطلع المنافق على أسرار كل طائفة بخداعه، أو المراد بالناس عامتهم. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس، لأن حاله حال المنافق إذ هو متعلق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس. قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع، وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرمة، قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود، وقال غيره: الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليها ما أمكنه من الجميل، ويستر القبيح، وتأوله قوم على أن المراد به المرائي بعمله، فيرى الناس خشوعاً واستكانة، ويوهمهم أنه يخشى الله حتى يكرموه، وهو في الباطن بخلاف ذلك. أهـ فتح ص ٣٦٤ جـ ١٠
والمعنى المداهن المتملق باعث الفتن وناشر الدسائس بين المتصافيين أو الخصمين أكثر عداوة لله تعالى ويحسب من شرور الناس، وقال القسطلاني: ويظهر عند كل منهم أنه منهم يتملق بالباطل ويخل الفساد بينهم، نعم لو أتى كل قوم بكلام فيه صلاح واعتذار ونقل ما أمكنه من الجميل وستر القبيح كان محموداً. أهـ.
(٢) أي يتزلف إلى الفريقين ليوهم كلاً منهما أنه من أنصاره وأوليائه ويخبرهما أخباراً كاذبة تزيد الجفاء والنفور وتغرس الضغائن والأحقاد في قلوبهما فتشتعل نار العداوة. أنه وضيع مهين ماكر لئيم خبثت طباعه وانحطت أخلاقه لا وازع يردعه ولا ضمير يزجره ولا خوف من الله تعالى يؤنبه، قال صلى الله عليه وسلم: "شر عباد الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة" فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه ذو وجهين لعدم الركون إليه في أقواله وطلب نبذه واحتقاره، جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فألقى إليه خبراً بشأن رجل آخر فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك فإن لم تكن كاذباً فأنت ممن يدخلون في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (من سورة الحجرات). وإن كنت كاذباً فأنت ممن يصدق عليه قوله تعالى: "هماز مشاءٍ بنميم" (١١ من سورة القلم). وإن شئت عفونا عنك، قال العفو يا أمير المؤمنين ولا أعود.
فاحذر أخي أن تتردد بين متعاديين لتحسن طرق المعاداة خشية أن تكون مبغضاً عند الله تعالى مطروداً من رحمته، فهذا عمل المنافق.
(٣) أي نظهر خلاف ما نبطن ونتحدث بالثناء والإطراء، وفي غيبته نذمه ونعدد مساويه.
(٤) يخلقه الله تعالى على أبشع صورة وأقبح هيئة وأردأ حالة، لأنه يتلون في حياته ويتذبذب ويداهن =

<<  <  ج: ص:  >  >>