للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاذباً، فهو كما قال (١) رواه البخاري ومسلم في حديثٍ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.


(١) ظاهره أنه يكفر بذلك، وهو كذلك إن قصد الرضى بما قاله وإلا بأن قصد إبعاد نفسه عن الفعل أو أطلق، فلا يكفر لكنه ارتكب مكروها. أهـ. سندي.
فصل في الأيمان:
والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحلف الإنسان بأبيه أو بأي شيء غير الله تعالى، وأورد البخاري حديث سيدنا سالم: "قال ابن عمر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" قال عمر فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكراً ولا آثراً" (ذاكراً): عامداً، (وآثراً): أي حاكياً عن الغير. أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري، أو متفاخراً بالآباء في الإكرام، وفي الفتح: وفي هذا الحديث من الفوائد الزجر عن الحلف بغير الله، وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله ففيه جوابان:
(أ) أن فيه حذفاً، والتقدير: ورب الشمس.
(ب) يختص بالله، فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذك، وأما ما وقع مما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "أفلح وأبيه إن صدق" فنفاها ابن عبد البر "أفلح والله إن صدق" ومن لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال في حقه: "وأبيك ما ليلك بليل سارق" أخرجه في الموطأ وغيره، وأخرج مسلم للذي سأل: أي الصدقة أفضل؟ فقال: وأبيك لتنبأن. إذا ثبت ذلك كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصد به القسم، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال النووي: إنه الجواب المرضي، والثاني أنه كان يقع في كلامهم على وجهين: أحدهما للتعظيم، والآخر للتأكيد، والنهي إنما وقع عن الأول، فمن أمثلة ما وقع في كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر:
* لعمر أبى الواشين إني أحبها *
وقول آخر:
فإن تك ليلى استودعتني أمانة ... فلا وأبي أعداءها لا أذيعها
قال البيهقي (أفلح وأبيه): أي ورب أبيه، ولا تنعقد يمين من حلف بغير الله سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم لمعنى غير العبادة كالأنبياء والملائكة والعلماء الصلحاء والملوك والآباء، والكعبة، أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإذلال كالشياطين والأصنام، وسائر من عبد من دون الله، واستثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: تنعقد به اليمين، وتجب الكفارة بالحنث. أهـ ص ٤٢٨ جـ ١٠
وفي تنوير القلوب يخشى على من يكثر الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فراراً من الكفارة في الحلف باسم الله من سوء الخاتمة، لما فيه من التهاون باسم النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن قصد ذلك كفر والعياذ بالله تعالى، واليمين تحقيق ما يحتمل الوقوع وعدمه: أي إثبات أنه لابد منه بذكر الله أو صفة من صفات ذاته، ولا يصح اليمين إلا من كل بالغ عاقل مختار قاصد، فلا تصح يمين الصبي، ومن زال عقله بنوم أو مرض، وإن زال بمحرم صحت يمينه، ومن أكره على اليمين لم تصح يمينه، ومن لم يقصد اليمين أصلاً فسبق لسانه إليها أو قصد اليمين على شيء وسبق لسانه إلى غيره لم تصح يمينه، وذلك لغو اليمين الذي لا يؤاخذ به، وتصح اليمين على =

<<  <  ج: ص:  >  >>