للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر في معجمه أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً.


= على ذنب آخر، ولو تكررت التوبة ومعاودة الذنب صحت، وتوبة الكافر من كفره مقطوع بقبولها، وغيره مظنون، والله أعلم ص ٦٠ جـ ١٧.
حقيقة التوبة
قال الغزالي: التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور: علم وحال وفعل أما العلم فهو معرفة عظم ضرر المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب، فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم فإن كان فواته بفعله تأسف على الفعل المفوت فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندماً إذا غلب هذا الألم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً إلى فعل له تعلق بالحال وبالماضي وبالاستقبال، أما تعلقه بالحال فبالترك للذنب الذي كان ملابساً له، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر، وأما بالماضي فيتلافى ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلاً للجبر، فالعلم هو الأول، وهو مطلع هذه الخيرات وأعني بهذا العلم الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة، واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب فيثمر نور هذا الإيمان مهما أشرق على القلب نار الندم فيتألم بها القلب بحيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوباً عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس، وقد كان في ظلمه فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه، وقد أشرف على الهلاك فتشتعل نيران الحب في قلبه وتنبعث تلك النيران بإرادته للانتهاض للتدارك، فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك في الحال والاستقبال والتلافي للماضي ثلاثة معان مرتبة في الحصول فيطلق اسم التوبة على مجموعها، وكثيراً ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم كالسابق والمقدمة والترك كالثمرة والتابع المتأخر، وبهذا الاعتبار قال عليه الصلاة والسلام "الندم توبة" إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وأثمره، وعن عزم يتبعه ويتلوه، قيل في حد التوبة إنه ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ أو نار في القلب تلتهب وصدع في الكبد لا ينشعب أو خلع لباس الجفاء ونشر بساط الوفاء. قوال سهل بن عبد الله التستري: التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة ولا يتم ذلك إلا بالخلوة والصمت وأكل الحلال أهـ ص ٤ جـ ٢.
واعلم أن وجوب التوبة ظاهر بقوله صلى الله عليه وسلم من حديث مسلم "يا أيها الناس توبوا إلى الله" وقول الله تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (٣١)] من سورة النور.
وقول الله تعالى: [يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا] من سورة التحريم.
والنصوح الخالص لله تعالى الخالي عن الشوائب، ويدل على فضل التوبة قول الله تعالى [إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (٢٢٢)] من سورة البقرة.
قال الغزالي وهو واضح بنور البصيرة عند من انفتحت بصيرته وشرح الله بنور الإيمان صدره حتى اقتدر على أن يسعى بنوره الذي بين يديه في ظلمات الجهل مستغنياً عن قائد يقوده في كل خطوة، فالسالك إما أعمى لا يستغني عن القائد في خطوه: وإما بصير يهدى إلى أول الطريق ثم يهتدي بنفسه، وكذلك الناس في طريق الدين إما قاصر يفتقر إلى سماع نص من كتاب الله وسنة رسوله أو سعيد يتنبه بأدنى إشارة لسلوك طريق معوصة وقطع عقبات متعبة ويشرق في قلبه نور الإيمان. ثم قال معنى التوبة الرجوع عن الطريق المبعد عن الله المقرب إلى الشيطان، ولا يتصور إلا من عاقل ولا تكمل غريزة العقل إلا بعد كمال غريزة الشهوة والغضب وسائر الصفات المذمومة التي هي وسائل الشيطان إلى إغواء الإنسان، والشهوات جنود الشيطان، والعقول جنود الملائكة، وتكمل الشهوات في الصبا والشباب، فإن كمل العقل وقوي كان أول شغله قمع جنود الشيطان بكسر =

<<  <  ج: ص:  >  >>