للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الهرج]: هو الاختلاف والفتن، وقد فسر في بعض الأحاديث بالقتل لأن الفتن والاختلاف من أسبابه، فأقيم المسبب مقام السبب.


= قال أبو الأسود الدؤلي يصف أحوال الناس ويطلب من القادة العمل وتهذيب النفس وتأديبها:
حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم
وترى اللبيب محمداً لم يجترم ... شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمة ... حساده سيف عليه صروم
فاترك مجاراة السفيه فإنها ... ندم وغب بعد ذاك وخيم
فإذا جريت مع السفيه كما جرى ... فكلاكما في جريه مذموم
وإذا عتبت على السفيه ولمته ... في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم
وأراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبداً وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى ... بالعلم منك وينفع التعليم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما ... فإذا فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه أيضاً حريمك فاحمه ... كيلا يباع لديك منه حريم
وإذا اقتصصتك من ابن عمك كلمة ... فكلومه لك إن عقلت كلوم
وإذا طلبت إلى كريم حاجة ... فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلماً ذكر الذي ... كلمته فكأنه ملزوم
ورأى عواقب حمد ذاك وذمه ... للمرء تبقى والعظام رميم
فارج الكريم وإن رأيت جفاءه ... فالعتب منه والكريم كريم
إن كنت مضطراً وإلا فاتخذ ... نفقاً كأنك خائف مهزوم
واتركه واحذر أن تمر ببابه ... دهرا وعرضك إن فعلت سليم
فالناس قد صاروا بهائم كلهم ... ومن البهائم قاتل وزعيم
عمي وبكم ليس يرجى نفعهم ... وزعيمهم في النائبات مليم
وإذا طلبت إلى لئيم حاجة ... فألح في رفق وأنت مديم
والزم قبالة بيته وفنائه ... بأشد ما لزم الغريم غريم
وعجبت للدنيا ورغبة أهلها ... والرزق فيما بينهم مقسوم
والأحمق المرزوق أعجب من أرى ... من أهلها والعاقل المحروم
ثم انقضى عجبي لعلمي أنه ... رزق مواف وقته معلوم
إن أبا الأسود الدؤلي كان في صدر الإسلام، وفي إبان عزه وعظمته وشروق شمسه الساطعة بالأعمال الصالحة وعاصر الإمام علياً كرم الله وجهه. ولكن أثبت لنا أن في العالم حسداً وخصومة وغيبة ونميمة وسفاهة، ووجه اللائمة على الوعاظ وطلب أن تعملوا بإرشادهم رجاء أن تنفع الموعظة، وهكذا من خلال الخير، ونحن الآن في سنة ١٣٥٥ هـ فانتشرت المعاصي أضعافاً مضاعفة وساءت الحال وزاد الطغيان فالعاقل المؤمن من يكمل نفسه ويؤدبها بآداب الدين ويعمل بالآية، قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون (١٠٥)] من سورة المائدة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>