للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعِسَ (١) عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ (٢) إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ (٣)، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانْتَكَسَ (٤) وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ، طُوبَى لِعَبْدٍ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ (٥) في سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، وَإِنْ كانَ في الحرَاسَةِ كَانَ في الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ في السَّاقَةِ كَانَ في السَّاقَةِ (٦)، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنَ لَهُ (٧)، وَإِنْ شَفَعَ (٨) لَمْ يُشَفَّعْ. رواه البخاري، وتقدم مع شرح غريبه في الرباط.

٤٩ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم قالَ: مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ (٩) أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، ومَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا (١٠) مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنى. رواه أحمد ورواته ثقات، والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي في الزهد وغيره، كلهم من رواية المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى وقال الحاكم: صحيح على شرطهما.


(١) عثر وانكب لوجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك: أي هلاك ودمار وخيبة وخسران للطماع الشره الذي همه أن يجمع المال ولا يعمل صالحاً به.
(٢) ثوب خز أو صوف معلم أو سوداء معلمة، والمعنى عبد رهين تأنق بملابسه: أي يعتني بثيابه، ولا يكمل نفسه بالتقوى هو شره في الدنيا ذو مصلحة مؤقتة خالية من طاعة الله ورضاه.
(٣) إن ربح فرح وإن خسر غضب وكره وسب ولعن.
(٤) أي انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة، لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر أهـ نهاية.
(٥) اللجام الذي يملك زمام التصرف فيها: أي ذهب بحصانه يحارب ويجاهد ورأسه ملبد وقدماه مغبرتان عليهما تراب الحرب وغبار الدفاع وعلامة الاستبسال.
(٦) الساقة: جمع سائق، وهم الذين يسوقون جيش الغزاة ويكونون من ورائه يحفظونه، ومنه ساقة الحاج أهـ نهاية.
(٧) أي إنه متواضع سهل القياد، لين الجانب.
(٨) أي إذا كان شفيعاً لأحد في مصلحة لم يجب طلبه لهوانه على الناس، وذا من علو نفسه وكرم أخلاقه وبراءته من اللؤم والمكر والخبث وحيل الأشرار.
(٩) من أقبل عليها بشرهه وتقصيره في الأعمال الصالحة خلت آخرته، ومن أكمل نفسه وأدبها بالشرع فاز بالنعيم وقصر في أعمال دنياه الفانية ووصفها الله تعالى بقوله [وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب] من سورة الأنعام.
[ومن يضلل الله فما له من هاد (٣٦) ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيز ذي انتقام؟ (٣٧)] من سورة الزمر.
(١٠) فاختاروا الدار الآخرة الباقي نعيمها المدخر ثوابها على الدنيا الفانية التي هي سوق الأعمال، ولو ربح الإنسان فيها ما ربح لا ينفعه إلا صالح الأعمال كما قال تعالى: [ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (٤٧) وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (٤٨)] من سورة الزمر.
وعيد شديد وإقناط كلي للكفار والعصاة الذين اختاروا الدنيا فضلوا وأضلوا وظلموا وعصوا ربهم. =

<<  <  ج: ص:  >  >>