للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْئَاً (١)، وَلاَ نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمَّا فَرَغَ قُلْنَا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ مَا حَمَلَكَ عَلَى هذَا الْبُكَاء؟ قالَ: بِيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِذْ رَأَيْتُهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ شَيْئاً، وَلاَ أَرَى شَيْئاً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الذِي أَرَاكَ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِكَ (٢)، وَلاَ أَرَى شَيْئاً قالَ: الدُّنْيَا تَطَوَّلَتْ لِي، فَقُلْتُ: إِلَيْكِ عَنِّي (٣)، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ لَسْتَ (٤) بِمُدْرِكِي. قالَ أَبُو بَكْرٍ. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ (٥)، وَخِفْتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ خَالَفْتُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وَلَحِقَتْنِي الدُّنْيا (٦). رواه ابن أبي الدنيا والبزار، ورواته ثقات إلا عبد الواحد بن زيد، وقد قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، وهو هنا كذلك.

١٣٧ - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قالَ: اسْتَسْقَى (٧) عُمَرُ، فَجِيءَ بِمَاءٍ قَدْ شِيبَ (٨) بِعَسَلٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَطَيِّبٌ (٩) لكِنِّي أَسْمَعُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَعَى (١٠) عَلَى قَوْمٍ شَهَوَاتِهِمْ


(١) أن في نفسه ألماً.
(٢) تصد وتدفع، أي تمثلت لي على هيئة شيء يتصل بي.
(٣) تنحي واذهبي وتباعدي.
(٤) فألهمها الله جل وعلا أن تبشره أن زخارفها لا تحيط به وهي ممنوعة عنه، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم محصن [والله يعصمك من الناس].
(٥) صعب على نفسي أن يتصل به حب الدنيا. لماذا؟ يطلب سقياً فيقدم له الماء والعسل. ما هذه النعم؟ وما هذه الزينة؟ رضي الله عنك يا أبا بكر قد كنت شديد الرغبة في طاعة الله متأسياً برسول الله متبعاً أثره؛ ولقد بلغ من إكرام الله تعالى لك أن أرسل إليك سيدنا جبريل "هل أنت راض عن الله؟ كما أن الله راض عنك" فلا غرو أن تخشى زخارف الدنيا ونقرأ عنك هذا الحديث العذب لنعلمه لأبنائنا رجاء الإقبال على الله تعالى والزهد في الدنيا. وفقنا الله جل وعلا على النهج نحو منهجك والسير على نبراس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٦) أدركني نعيم الدنيا فيسألني الله تعالى.
(٧) طلب السقي أو الاستسقاء: أي طلب أن يعطى ما يشرب.
(٨) خلط.
(٩) لجميل الطعم حلو المذاق حسن الرواء.
(١٠) عاب عليهم يقال نعيت على الرجل أمراً إذا عبته به ووبخته عليه ونعى عليه ذنبه: أي شهر به أهـ نهاية سيدنا عمر مع جلالة زهده ونهاية ورعه واتفاق المؤرخين على عدله وتقواه، يخشى أن يشرب كوباً حلواً في حياته خوفاً من سؤال ربه يوم القيامة، وأنه استذاق هذا الحلو وقرأ هذه الآية [ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون (٢٠)] من سورة الأحقاف.
أي عند تعذيبهم بالنار يقال لهم أخذتم حظكم من الدنيا، وقد فزتم به فلم تعملوا صالحاً، وعن عمر رضي الله عنه لو شئت لكنت أطيبكم طعاماً وأحسنكم لباساً، ولكني أستبقي طيباتي أهـ نسفي. الهون الهوان. وقال تعالى: [ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (١٤٥)] من سورة آل عمران.
ثواب الدنيا الغنيمة، تعريض لمن شغلتهم الغنائم يوم أحد. ثواب الآخرة إعلاء كلمة الله والدرجة في الآخرة، والله يجزي من لم يشغلهم شيء عن الجهاد والدفاع عن الدين وفعل الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>