للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قال الحافظ]: وقد تقدم في كتاب البيوع ما جاء في المبادرة إلى قضاء دين الميت، والترغيب في ذلك.


= النبي صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين على تقييد مالهم وما عليهم خشية موت الفاجئة
يبين صلى الله عليه وسلم عدم طول الأمل وانتظار قرب الأجل والتفكير في الدار الآخرة والاستعداد لها بأخذ الزاد وأداء حقوق العباد ويضرب مثلاً أعلى بفعله صلى الله عليه وسلم (وصيتي مكتوبة) ذلك ليجعل المسلم له مذكرة في بيته في صيوانه الخاص يوضح فيه الديون أو الأمانات احتياطاً خوفاً من هجوم الموت فلا يستطيع أن يذكر ماله أو عليه، فيكون هذا سبب عذابه. وكان في مكة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مشركون يطلب منهم النبي صلى الله عليه وسلم التقوى والإسلام واجتناب الوقائع التي ابتليت بها الأمم الكاذبة بأنبيائها وما خلفهم من أمر الساعة، أو فتنة الدنيا وعقوبة الآخرة كما قال تعالى: [وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون (٤٥) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (٤٦) وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين (٤٧) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين (٤٨) ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون (٤٩) فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون (٥٠)] من سورة يس.
يزعم جهلة الكفرة حلم الله عليهم تسويفاً ويتبجحون بعدم الإنفاق قائلين: لا والله أيفقره الله ونطعمه نحن؟ (صيحة) النفخة الأولى (يخصمون) يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم الموت كما قال تعالى [أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (١٠٧)] من سورة يوسف.
وقال النسفي: والمعنى تأخذهم، وبعضهم يخصم بعضاً في معاملاتهم فلا يستطيعون أن يوصوا في شيء من أمورهم وصية، ولا يقدرون على الرجوع إلى منازلهم بل يموتون حيث يسمعون الصيحة. أهـ.
وإن شاهدنا (فلا يستطيعون توصية) أي في شيء من أمورهم وإن كانت هذه الآية لزنادقة مكة ولكن نأخذ منها دليلاً على يقظة المسلم لتقييد ماله وما عليه خشية الموت بغتة كما في حديث البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي. فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك".
قال القسطلاني (بمنكبي) أي بمجمع العضد والكتب (غريب) قدم بلداً لا سكن فيها يأويه ولا ساكن يسليه عابر سبيل) قاصد البلد الشاسع. أهـ.
وقال في الفتح فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة ولا يشترط فيها إسلام ولا رشد ولا ثيوبة ولا إذن زوج، وإنما يشترط في صحتها العقل والحرية. أهـ. وفي كفاية الأخيار الوصية لها أركان:
الموصى به ويشترط فيه كونه غير معصية فلو أوصى ببناء كنيسة للتعبد، أو كتب التوراة: وألحق الماوردي بذلك كتب النجوم والفلسفة وألحق القاضي حسين كتابة الغزل فإنها محرمة، ووجه عدم الصحة أن الوصية شرعت اجتلاباً للحسنات واستدراكاً لما فات وذلك ينافي المقصود، ولو أوصى بمال ليسرج به في الكنائس إن قصد تعظيمها لم يجز وإن قصد الضوء على من يأوي إلها صح. أهـ[ذوا عدل منكم] من أقاربكم الأجانب.
قال النسفي: حين الوصية بدل منه فيدل على وجود الوصية ولو وجدت بدون الاختيار لسقط الابتلاء فنقل إلى الوجوب، وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الأجل. أهـ.
آيات الوصية وكراهة تمني الموت وبيان حدود الله في المواريث
أ - قال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل =

<<  <  ج: ص:  >  >>