للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= واحترقت أجوافهم جوعاً انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاعة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم. وقال دعوني دعوني شغلني أمري عن غيري حتى يشفع نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن له فيه [لا يملكون الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا] أهـ ص ٤٤٠ جـ ٤.
صفة يوم القيامة
قال الغزالي: فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يوم ترى السماء فيه قد انفطرت، والكواكب من حوله قد انتثرت، والنجوم الزواهر قد انكدرت، والشمس قد كورت، والجبال قد سيرت، والعشار قد عطلت، والوحوش قد حشرت، والبحار قد سجرت، والنفوس إلى الأبدان قد زوجت، والجحيم قد سعرت، والجنة قد أزلفت، والجبال قد نسفت، والأرض قد مدت يوم ترى الأرض قد زلزلت فيه زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، يوم تحمل الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة، فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية، والملك على أرجائها، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، يوم تسير الجبال سيرا، وترى الأرض بارزة يوم ترج الأرض فيه رجا وتبس الجبال فيه بسا فكانت هباء منبثا. يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش. يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت. وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار يوم تنسف فيه الجبال نسفاً فتترك قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يوم ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب. يوم تنشق فيه السماء فتكون وردة كالدهان فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان يوم يمنع فيه العاصي عن الكلام، ولا يسأل فيه عن الإجرام، بل يؤخذ بالنواصي والأقدام. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً يوم تعلم كل نفس ما أحضرت، وتشهد ما قدمت وأخرت يوم تخرس فيه الألسن، وتنطق الجوارح، يوم شيب ذكره سيد المرسلين إذ قال له الصديق رضي الله عنه أراك قد شبت يا رسول الله؟ قال شيبتني هود وأخواتها، وهي الواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت، فيا أيها القارئ العاجز ما حظك من قراءتك أن تمجمج القرآن وتحرك به اللسان، ولو كنت متفكراً فيما تقرؤه لكنت جديراً بأن تنشق مرارتك مما شاب منه شعر سيد المرسلين، وإذا قنعت بحركة اللسان فقد حرمت ثمرة القرآن، فالقيامة أحد ما ذكر فيه؛ وقد وصف الله بعض دواهيها، واكثر من أساميها لتقف بكثرة أساميها على كثرة معانيها أهـ ص ٤٢٠ جـ ٤.
وفي صفة المساءلة. قال الغزالي: ثم تفكر يا مسكين بعد هذه الأحوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاهاً من غير ترجمان فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير فبينما أنت في كرب القيامة وعرقها وشدة عظائمها إذ نزلت ملائكة من أرجاء السماء بأجسام عظام وأشخاص ضخام غلاظ شداد أمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض على الجبار الخ.
وفي صفة الميزان: ثم لا تغفل عن الفكر في الميزان وتطاير الكتب إلى الأيمان والشمائل، فإن الناس بعد السؤال ثلاث فرق: فرقة ليس لهم حسنة فيخرج من النار عنق أسود فيلقهم لقط الطير الحب وينطوي عليهم ويلقيهم في النار فتبتلعهم النار وينادى عليهم: شقاوة لا سعادة بعدها. وقسم آخر لا سيئة لهم فينادي مناد ليقم الحمادون لله على كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة. ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل، ثم لمن لم تشغله تجارة الدنيا، ولا بيعها عن ذكر الله تعالى، وينادي عليهم سعادة لا شقاوة بعدها: ويبقى قسم ثالث وهم الأكثرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وقد يخفى عليهم، ولا يخفى على الله تعالى أن الغالب حسناتهم أو سيئاتهم، ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضله عند العفو وعدله عند العقاب فتطاير الكتب والصحف منطوية =

<<  <  ج: ص:  >  >>