للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضوءاً فتوضأ، ثم أقبل على أصحابه فقال: ألا أُخبركم بمُكفرات (١) الخطايا؟ قالوا: بلى، قال: إسباغ (٢) الوضوء على المكاره (٣)،

وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة


(١) مزيلات وماحيات ومطهرات الذنوب.
(٢) الذهاب إلى الوضوء وإتمامه.
(٣) عند كل ملمة أو حادثة مغضبة أو أمر اشتد خطبه، أو مصيبة نزلت أو عند تعب أدرك الإنسان فكسل. بمعنى أن الإنسان إذا اعترضه أي مكدر في حياته من صنوف الآلام التجأ إلى تنقية نفسه من أدران المعاصى، وتطهر ليناجى مفرج الكروب، وميسر العسير، فيتوضأ ويصلى لله تعالى، ويفوض أمره إليه سبحانه وتعالى.
فقه الباب
أولا: أن تمرن نفسك على العكوف على مصلاك مدة تسبح ربك وتذكره، وحبذا المكث في المسجد.
ثانيا: أن تغتنم فرصة الدعوات الصالحات ممن لا يعصون الله ماأمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ثالثا: أن تجتهد أن تكون على طهارة فوضوء ليتجلى عليك ربك في انتظارك هذا، وتكون من الذين قال الله عنهم في كتابه: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لماذا؟ لأنهم تركوا وقت اللهو والأكل وذهبوا في الظلمة ينتظرون صلاة العشاء رجاء ثواب الله.
رابعا: الاطمئنان لبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم. بفتح باب رحمة الله للمعتكفين منتظرى الصلاة. هذا إلى أن هذا الثواب ينقش في صحف المتقين، ويبقى نوره ساطعا إلى يوم القيامة. على شريطة عدم الكلام في المسجد والغيبة والنميمة، وحديث الدنيا.
خامسا: التشبه بالمجاهدين في سبيل الله هذا ينتظر قدوم صلاة جديدة يماثل المرابط للدفاع عن الوطن الذى هجر وطنه، وذهب يكمن حتى يهجم على أعداء الدين، ولا تنس هذا التمثيل البديع (كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه) أي منتظر الصلاة القادمة يشبه ذلك المستبسل في الجهاد والمدافع عن الإسلام وبيضته وقوله صلى الله عليه وسلم: (على كشحه) يشير إلى نهاية الإقدام وتكليف فرسه فوق طاقته صابراً على جوعه وضموره، فكما أن الفارس يصبر على مضض الجهاد وتعبه كذلك المنتظر الصلاة يصبر على الاعتكاف حبا في ثواب الله مع وجود المنافسة في أهل السماء، وسرورهم من القانتين. وهل تجد أخى أحسن تعبير، وأشهى حديث من قوله صلى الله عليه وسلم: (فوضع يده) أي شملتني قدرته ورأفته بى حتى دب في دبيب الإحسان؛ وسرى في الفرح والسرور سريان الدم في الشرايين. وهذا درس تربية وتهذيب من النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين رجاء تفريغ القلب لعبادة الله وترك مشاغل الدنيا في أوقات الرحمات مثل عتمة العشاء وغلس الليل، وهذا تعبير طريف مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعونى فاستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فأغفر له؟). قال القسطلاني: أي ينزل تعالى نزول رحمة ومزيد لطف، وإجابة دعوة، وقبول معذرة أهـ ص ٦٩ جواهر البخاري.
ولا تنس أن من صفاته تعالى مخالفته للحوادث: أي سبحانه غير موافق ومماثل لشئ من الحوادث فليس جسما وليس قائما بجسم أو محاذيا له، وليس فوق شئ أو تحته أو خلفه أو يمينه، وما ورد مما يوهم ذلك، فيجب تأويله ص ٢٩ كتابى (النهج السعيد في علم التوحيد)، وقد رأيت انتظار الصلاة يعينها الله تعالى بقوله (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعكم تفلحون) ٢٠١ من سورة آل عمران. =

<<  <  ج: ص:  >  >>