للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من النهار، وأنا أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرسلنى في حاجةٍ؟ قلت: نعم


= أريد أن أسرد عليك حوادث صحيحة مرت على قوم كانوا في بحبوحة العيش ورغده، وهناءة الضمير، وسعة الرزق، ووفرة المال، ولكن أصابهم البخل، وحفهم الشح، فضيعوا حقوق الفقراء، ومنعوا الزكاة وحرموا المساكين، أو جادوا للرياء والسمعة والمن، ولم يقصدوا وجه الله في إنفاقهم:
أولا: بستان لرجل صالح منفق، وكان ينادى الفقراء وقت الجنى، وقطع الثمرة، ويترك لهم ماأخطأه المنجل، وألقته الريح، أو يجمع ثمر النخل، ويترك لهم ما يبسط تحت النخلة، فيجتمع لهم شئ كبير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق علينا الأمر فحلفوا ليقطعنها وقت الصباح خفية عن المساكين. قال تعالى: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبيح ١٨ ولا يستثنون ١٩ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ٢٠ فأصبحت كالصريم ٢١ فتنادوا مصبحين ٢٢ أناغدوا على حرثكم إن كنت صارمين ٢٣ فانطلقوا وهم يتخافتون ٢٤ أن لا يدخلنا اليوم عليكم مسكين ٢٥ وغدوا على حرد قادرين ٢٦ فلما رأوها قالوا إنا لضالون ٢٧ بل نحن محرمون ٢٨ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ٢٩ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ٣٠ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ٣١ قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين ٣٢ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ٣٣ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) ٣٤ سورة ن.
قال البيضاوى يريد الذى كان دون صنعاء بفرسخين أهـ (إنا بلوناهم) أي اختبرنا أهل مكة - شرفها الله تعالى - بالقحط، لأن المشركين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم الوليد بن المغيرة أو الأخنس بن شريق، وفيه قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم) الآيات (ولا يستثنون) ولا يقولون إن شاء الله، ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم، فمر عليها بلاء، فأصبحت كالبستان الذى قطع ثمره، بحيث لم يبق فيه شئ وقد بكروا يتشاورون فيما بينهم، وعزموا أن ينكدوا على الفقراء، فنكد عليهم، بحيث لا يقدرون إلا على النكد، أو غدوا حاصلين على النكد والحرمان ومكان كونهم قادرين على الانتفاع، وقيل الحرد الحنق أي لم يقدروا إلا على حنق بعضهم لبعض، وقيل الحرد: القصد والسرعة، قال الشاعر:
أقبل سيل جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة
أي غدوا قاصدين إلى جهنم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها، وقيل علم للجنة.
أقروا ببخلهم (إنا لضالون) حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا (طاغين) متجاوزين حدود الله تعالى ثم تابوا إلى الله تعالى، واعترفوا بذنبهم (عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها) قيل نفعت التوبة، فعفا عنهم سبحانه وأبدلهم خيراً منها. تبنا إلى الله، اللهم ارزقنا التوفيق والسعادة إنك غفور رحيم.
(كذلك العذاب) يشير الله تعالى إلى أن المعاصى سبب النقم والقحط والجوع وشدة الأزمة في الدنيا، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: (حصنوا أموالكم بالزكاة)، وقال تعالى: (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ٣٥ افنجعل المسلمين كالمجرمين ٣٦ ما لكم كيف تحكمون ٣٧) سورة ن.
أي للصالحين في الآخرة، أو في جوار القدس جنات ليس فيها إلا التنعيم الخالص، وأن الله تعالى يضع القناعة والرضا في قلوب الصالحين في الدنيا، فيشعرون بسعادة الحياة، فتنشح صدورهم فرحين مسرورين.
الدليل الثانى: رجلان أخوان من بنى إسرائيل: الأول كافر واسمه قطروس. والثانى مؤمن واسمه يهوذا، ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتشاطرا فاشترى الكافر بها ضياعا وعقارا، وصرفها المؤمن =

<<  <  ج: ص:  >  >>