للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ما أُحب أن لى مثل أحُدٍ ذهباً أُنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، وإن هؤلاء لا يعقلون


= في وجوه الخير، فضاع مال الأول وذهب سدى، وبقى الثانى مباركا ينفعه وينفع ذريته، قال تعالى: (واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا. كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئاً، وفجرنا خلالهما نهراً، وكان له ثمر، فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً. قال له صاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً. قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا. لكنا هو الله ربى ولا أشرك بربى أحدا. ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربى أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيداً زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا، وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهى خاوية على عروشها، ويقول ياليتنى لم أشرك بربى أحداً ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً. هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقبا) ٣٢ - ٤٤ سورة الكهف.
بساتين كروم ونخل بينهما زرع جامع للأقوات والفواكهة متواصل العمارة على الشكل الحسن، والترتيب الأنيق يدون شربهما بنهر يزيد بهاءهما، وقد أخذ الغرور صاحبهما وضرهما بعجبه وكفره وبخله، وطال أمله ونسى ربه وتمادى في غفلته واغتراره بمهلته (ما أظن أن تبيد هذه أبداً) فنصحه المسلم أن الله عدلك وكملك (ثم سواك رجلا) جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه كأنه قال: أنت كافر بالله، ولكنى مؤمن بالله أي شئ شاء الله كان ولا قوة إلا بالله فيجب عليك أن تعترف بتعجز نفسك، وتكل الأمر والقدرة لله وأن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها فبمعونته وإقداره.
وعن النبى صلى الله عليه وسلم: (من رأى شيئا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره). واعترف المسلم بالعجز، وسلم لله، ورجا من الله خيراً من جنة الكافر في الدنيا، وتوقع أن تفنى جنة الكافر (وأحيط بثمره) لا حول ولا قوة إلا بالله زال هذا النعيم في لحظة، وأهلك أمواله حسبما توقعه صاحبه، وأنذره منه وسقطت عروشها وكرومها على الأرض، فتذكر موعظة أخيه، وتمنى عدم إشراكه، فلا يهلك الله بستانه، ولا أحد يدفع الإهلاك عنه سوى الله الواحد الأحد، ولله النصرة وحده لا يقدر عليها غيره، وعاقبة النعيم الباقى لأوليائه وأحبابه، وله تعالى السلطان والملك، ولا يعبد غيره سبحانه، آمنا به وبرسله فاللهم وفقنا لنعمل.
الدليل الثالث: رجل مبتل بالفخفخة، وحب الثناء، ويميل إلى مدح الناس، ويحب الظهور، ويعمل رياء ويتصدق ويمن فلا ينفع عمله، ولا تقبل صدقاته، وماله يذهب بلا فائدة. قال تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) ٢٦٦ البقرة.
وشاهدنا وجود النعم مع كبر السن لا يحفظها إلا العمل لله لتبقى والهمزة فيه للإنكار: أي لا يحب وجود حديقة فيها أنواع الأشجار المثمرة ترعرعت وأينعت وازهرت مع كبر سنه، ووجود صغار لا قدرة لهم على الكسب، وإن الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب، والإعصار: ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كالعمود. والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ويضم إليها حب الرياء والإيذاء في الحسرة والأسف، فإذا كان يوم القيامة، واشتدت حاجته إليها وجدها محيطة بحال من هذا شأنه، وأشبههم به من حال بره في عالم الملكوت، وترقى بفكره إلى جناب الجبروت، ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور، والتفت إلى ما سوى الحق، وجعل سعيه هباء منثوراً (تتفكرون) رجاء أن تعتبروا بها أهـ بيضاوى. =

<<  <  ج: ص:  >  >>