للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلتُ في نفسي لا جرم (١) لا أسأله شيئاً" رواه البزار، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه، قاله ابن معين وغيره.

٣٤ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: "وهو على المنبرِ، وذكر الصدقة، والتعففَ عن المسألةِ: اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، والعليا: هي المنفقةُ، والسفلى: هي السائلة" رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وقال أبو داود: اختلف على أيوب عن نافع في هذا الحديث. قال عبد الوارث: اليد العليا المتعففةُ. وقال أكثرهم عن حماد ابن يزيد عن أيوب المنفقة، وقال واحد عن حماد: المتعففة.

[قال الخطابي]: رواية من قال: المتعففة أشبه وأصح في المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن رسول الله ذكر هذا الكلام وهو يذكر الصدقة، والتعفف عنها، فعطف الكلام جزم على سببه الذي خرج عليه وعلى ما يطابقه في معناه أولى، وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ، يجعلونه من علو الشيء إلى فوق، وليس ذلك عندي بالوجه، وإنما هو من علا المجد والكرم، يريد التعفف عن المسألة والترفع عنها، انتهى كلامه، وهو حسن.

٣٥ - وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: "الأيدي ثلاثةٌ: فَيَدُ الله العليا، ويدُ المعطي التي تليها، ويدُ السائل السفلى (٢) إلى يوم القيامة، فاستعفف (٣) عن السؤال، وعن المسألة ما استطعت، فإن أُعطيتَ شيئاً أو قال خيراً فَلْيُرَ عليك (٤)، وابدأ بمن تعول (٥)، وارضخ من الفضل (٦)، ولا تُلاَمُ


(١) هذه كلمة ترد بمعنى تحقيق الشيء: أي حقاً، أو لابد. قال تعالى: "لا جرم أن لهم النار" أي ليس الأمر كما قالوا، ثم ابتدأ فقال: وجبت لهم النار: اي قد وجب أن لا أسأله شيئاً، واستفاد الصحابي من حديثه العظة والقناعة والاعتماد على الله والثقة به سبحانه.
(٢) السائلة الممدودة للعطاء.
(٣) اطلب العفاف.
(٤) فلتظهر نعمة الله عليك بحمده وتقنع وتتجمل وتنفق.
(٥) قدم في النفقة المهم من أقاربك وأهلك.
(٦) أي أعط من نعمة الله وجد، والرضخ: العطية القليلة: أي تصدق على قدر طاقتك.
واقنع بما قسم الله الكريم ولا ... تبسط يديك لنيل الرزق من أحد
أقوال الشعراء في القناعة:
وأكل كسيرة في جنب بيتي ... أحب إليَّ من أكل الرغيف =

<<  <  ج: ص:  >  >>