ما أشبه حالتنا اليوم بحالة صدر الإسلام في الضعف والذلة، ولكن شتان بين عملنا وعمل رجاله الأبطال رضوان الله عليهم. إنهم أدوا أوامر الله بإخلاص وعزيمة قوية فصبروا ونجحوا، وفتح الله لهم فتح مبينا فبدل الله ذلهم عزا، وفقرهم غنى. ونحن الآن في سنة ١٣٧٤ هـ نرى تقصيراً في حقوق الله، ورجالاً نفوسهم غافلة عن طاعة الله وذكر الله، والصلاة والزكاة لله. ألم يأن للمسلمين أن يتوبوا ويصلوا ويزكوا ويستقيموا رجاء أن الله يعزهم كما أعز أهل مكة، ويرعاهم برحمته وإحسانه، فإنه تعالى أمرهم بالقتال، فجاهدوا واستبسلوا في سبيل نصر دين الله، ولكن دعاني إلى ذكر هذه الآيات حي الشديد لأمر الله لأولئك الصابرين المحتسبين المستضعفين بالصلاة والزكاة حتى أراد الله فقواهم، وأشرق شمس الإسلام وأضاء الحق، وعم نوره. قال تعالى لحبيبه صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ١٩٧ متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ١٩٨ لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار) ١٩٩ من سورة آل عمران. قال البيضاوي: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته، أو تثبيته على ما كان عليه، والمعنى: لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم. روى أن المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش، فيقولون: ان أعداء الله فيما نرى من الخبر وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت. قال عليه الصلاة والسلام (ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع؟) أهـ بيضاوي. وشاهدنا الزهادة في المتاع الغاني، والدعوة إلى التصدق في جنب ما أعد الله للمحسنين. (١) سارعوا بها. (٢) أي لا يجاوزها، يعني لا يلحق صاحبها، وفيه طلب الإقبال على الإنفاق لله رجاء أن يصد العوادي، ويمنع المصائب، ويخفف سبحانه في قضائه، ويلطف في قدره.