للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرجحتْ، يعني السِّتة، ثمَّ وضع الرَّغيف، فرجح، يعْني رجح الرَّغيف السِّتَّة.


= ب - لا يحث على بذل طعام المسكين أو إطعامه.
نعوذ بالله من مال وراءه العقاب، وحر المصائب والويلات لأن صاحبه بخيل، وفي الحقوق شحيح، فكل عمله قبيح، وعاقبته سيئة، ولن تجد أصدق حديثا من كلام الله تعالى مبينا حال المؤمنين الصالحين وحال الفاسقين الكافرين العصاة المذنبين. قال عز شأنه: (فأما من أوتي كتابه بيمنه فيقول هاؤم اقرءوا وكتابيه ٢٠ إني ظننت أني ملاق حسابية فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية، وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغني عني ماليه هلك عني سلطانية خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون) ٣٨ من سورة الحاقة. (ماليه): أي مالي وما يتبعني. (سلطانيه): حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، أو ملكي وتسلطي على الناس. (فاسلكوه) فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده، وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة. قال الصاوي كأنه قيل: ما باله يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب: لا يؤمن بالله، ولا يحض, وقال البيضاوي: تعليل على طريقة الاستئناف للمبالغة، وذكر العظيم للإشعار بأن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل. وفيه دليل على تكليف الكفار بالفروع. أهـ بيضاوي ص ٧٨٦. (حميم): قرب يحميه. (غسلين) غسالة أهل النار وصديدهم. (الخاطئون): أصحاب الخطايا، من خطئ الرجل إذا تعمد الذنب، لا من الخطأ المضاد للصواب.
إن شاهدنا: (ولا يحض) فكأن البخيل ويأمر الناس بالبخل متخلق بأخلاق الكفار فيعذبه الله انتقاما منه على تقصيره في الإنفاق لله، ويا ليته يسكت بل يدعو إلى التشبه به ليكون قدوة سيئة في الإجرام والاعسار وأداة منع، وباب شر، وطريق ضر، وبوق حرمان، وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه: ألا أنبئكم بالعالم كل العالم من لم يزين لعباد الله معاصي، ولم يؤمنوا مكروه، ولم يؤيسهم من روحه: أي العالم الكامل علما من دعا إلى الله، وحذر الناس من الوقوع في المناهي، ولم يقطع أمامهم من رحمته، وقال الشاعر:
فما يمر خيال الغدر في خلدي ... ولا تلوح سمات الشر في خالي
قلبي سليم ونفسي حرة ويدي ... مأمونة ولساني غير ختال
اتصف المنفقون بمكارم الأخلاق كما أخبر الله تعالى في كتابه العزيز
أقرأ سورة المعارج تجد قوله تبارك وتعالى: (إن الإنسان خلق هلوعاً ٢٠ إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) ٢٦ (هلوعاً) شديد الحرص قليل الصبر. (الشر): الضر، يجزع ويتكدر ويضجر. (الخير): السعة والخيرات، يبالغ بالإمساك والبخل:
قال البيضاوي: طبائع جبل الإنسان عليها، ثم استثنى سبحانه قيل لمضادة تلك الصفات لها من حيث انها دالة على الاستغراق في طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار الآجل على العاجل، وتلك ناشئة من الانهماك في حب العاجل، وقصور النظر عليها.
اندرج المنفقون فيمن كملهم الله بتوفيقه، فأدركوا لذة طاعة الله في الجود، وتشييد الصالحات بالإنفاق، فتنزهوا عن الدناءة، والأخلاق الذميمة، وسمت صفاتهم الحميدة، وعملوا بآداب الله بتنفيذ أوامره، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو لنا قدوة حسنة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>