هذا أبو بكر رضي الله عنه منذ ظهر فجر الإسلام وسيرته أندى من المسك لأنه أنفق لله، وأحب في الله، وهو جدير بكل ثناء ومدح. فسر بنا في ذمام (١) الليل معتسفا (٢) ... فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل (٣) فالحب (٤) حيث العدا (٥) والأسد رابضة ... حول الكناس (٦) لها غاب (٧) من الأسل (٨) قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما (٩) بالكراثم من جبن ومن بخل تبيت نار الهوى منهن في كبد ... حري ونار القرى منهم على القلل (١٠) (الغني يخلد في النعيم إذا أنفق ماله لله في الصالحات، والمال الكثير يجر إلى المعاصي) إذا أعطى الله الإنسان مالا وفيرا، فصرفه في وجوه الخير، وفي الطيبات، وأدى حقوق الله فيه فاز بعز الله، وتمتع بالسعادة في حياته ومماته. أما إذا بخل، وقصر في الزكاة، ونأى عن الصدقات جرى مضاره في شهواته وضيعه في الموبقات وارتكب به الخطايا، وامتلأت مجالسه بالغيبة والنميمة، وباء بالخسران، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن (الأخنس بن شريق) وكان مغياباً، أو (الوليد بن المغيرة) واغتيابه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: أ - (ويل لكل همزة لمزة. الذي جمع مالا وعدده. يحسب أن ماله أخذه. كلا لينبذن في الحطمة) ٤ من سورة الهمزة الهمز: الكسر كالهمز، واللمز. الطعن فشاعا في الكسر من أعراض الناس، والطعن فيهم. (وعدده) أي جعله عدة للنوازل أو عدة مرة بعد أخرى. (أخلده): تركه خالداً في الدنيا فأحبه كما يحب الخلود، أو حب المال أغفله عن الموت، أو طول أمله حتى حسب أنه مخلد، فعمل عمل من لا يظن الموت، وفيه تعريض بأن المخلد هو السعي للآخرة. (كلا): ردع له عن حسبانه. (لينبذن في الحطمة): ليطرحن في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يطرح فيها. وشاهدنا رجل ثري اغتر بكثرة ماله وبغى واغتاب ونم، وعادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن به صلى الله عليه وسلم، ولم يعمل صالحا فاستحق عذاب الله. (وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة) من سورة الهمزة. (تطلع على الأفئدة): تعلو أوساط القلوب لأنها محل العقائد الزائغة، ومنشأ الأعمال القبيحة. (مؤصدة): مطبقة وموثقين في أعمدة ممدة مثل المقاصرة التي تقطر فيها اللصوص أهـ بيضاوي. انتقل أيها الأخ إلى سيرة أبى لهب، فإنه صلى الله عليه وسلم جمع أقاربه كما أمره سبحانه وتعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فأنذرهم، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. =