للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجلان سلكا مفازة - صحراء (١) عابد، والآخر به رهق (٢) فعطش العابد حتى سقط فجعل صاحبه ينظر إليه، وهو صريع - مغشي ومغمي عليه (٣) فقال: والله إنْ مات هذا العبد الصَّالح عطشاً، ومعي ماء لا أصيب من الله خيراً أبداً (٤)، ولئنْ سقيْتُه مائي لأموتنَّ فتوكَّل على الله وعزم فرشَّ عليه من مائه وسقاه فضله، فقام فقطع المفازة فيوقف الذي به رهق للحساب فيؤمر به إلى النَّار فتسوقه الملائكة فيرى العابد، فيقول: يا فلان أما تعرْفني فيقول: ومن أنت؟ فيقول: أنا فلان الذي آثرتك على نفسي (٥) يوم المفازة، فيقول: بلى أعرفك، فيقول للملائكة: قفوا فيقفون فيجيء حتى يقف فيدعو ربَّه عزَّ وجلَّ فيقول يا ربِّ: قد عرفت يده (٦)

عندي، وكيف آثرني على نفسه. يا ربِّ: هبه لي فيقول: هو لك فيجيء فيأخذ بيد أخيه فيدخله الجنَّة، فقلت لأبي ظلالٍ: أحدَّثك أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعمْ. رواه الطبراني في الأوسط: وأبو ظلال اسمه هلال بن سويد، أو ابن أبي سويد وثقه البخاري، وابن حبان لا غير، ورواه البيهقي في الشعب عن أبي ظلال أيضاً عن أنس بنحوه، ثم قال: وهذا الإسناد إن كان غير قوي فله شاهد من حديث أنس، ثم روى بإسناد هـ من طريق علي بن أبي سارة، وهو متروك.

٢٦ - وعنْ ثابتٍ البنانيِّ عنْ أنسٍ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رجلاً منْ أهل الجنَّة يشرف (٧) يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل منْ


(١) صحراء.
(٢) يخف إلى الشر ويغشاه، والرهق: السفه وغشيان المحارم (ومنه حديث أبي وائل) أنه صلى على امرأة كانت ترهق: أي تتهم بشر. وفلان مرهق: متهم بسوء وسفه أهـ.
(٣) مغشي ومغمي عليه.
(٤) اعتقد في ثواب الله، وأعطي حبا في سبحانه.
(٥) قدمت لك الماء إيثار على نفسي.
(٦) فضله ومعروفه. فيه الحث على سقى الماء وتقديم الخير له جل وعلا، وانتظار ثوابه، فهذا رجل شرير مجرم اتفق مشيه مع رجل صالح في فلاة فعمل صالحا، وآثره على نفسه لله فاستشفع فشفعه الله فيه، قد صادفته العناية الربانية بمصاحبته الرجل الصالح زمناً يسيراً، ففعل معه خيراً فرحمه الله وغفر له، فما بالك بصحبة الصالحين أزماناً؟
آخذ دليلا من هذاللتوسل بالصالحين ومحبتهم والسير معهم، والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم رجاء النجاة يوم الشدائد، وللبارودي رحمه الله:
كرم الطبع شيمة الأمجاد ... وجفاء الأخلاق شأن الجهاد
لن يسود الفتى ولو ملك الحكـ ... ـمة لما لم يكن من الأجواد
ولعمي لرقة الطبع أولى ... من عناد يجر حرب الفساد
(٧) (يطلع).

<<  <  ج: ص:  >  >>