للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجاوزنى إلى غيري. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد إلى السماء السابعة من صوم وصلاة ونفقة، واجتهاد، وورع له دوىٌّ كدوى الرعد، وضوء كضوء الشمس معه ثلاثة آلاف ملك فيجاوزون (١) به الى السماء السابعة، فيقول لهم الموكل بها، قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، واضربوا جوارحه، اقفلوا على قلبه إنى أحجب عن ربى كل عمل لم يرد به وجه ربى إنه أراد بعمله غير الله. إنه أراد به رفعةً عند الفقهاء، وذكراً عند العلماء، وصوتا في المدائن، أمرنى ربى أن لا أدع عمله يجاوزنى إلى غيرى، وكل عمل لم يكن لله خالصا فهو رياء، ولا يقبل الله عمل المُرائى. قال وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة، وزكاة وصيام، وحج وعمرةٍ، وخلق حسن، وصمت، وذكر لله تعالى وتُشَيِّعُهُ ملائكة السموات حتى يقطعوا به الحجب كلها إلى الله عز وجل فيقفون بين يديه ويشهدون له بالعمل الصالح المخلص لله.

قال فيقول الله لهم أنتم الحفظة على عمل عبدى وأنا الرقيب على نفسه إنه لم يُردنى بهذا العمل، وأراد به غيري فعليه لعنتى، فتقول الملائكة كلها: عليه لعنتك ولعنتنا، وتقول السموات كلها: عليه لعنة الله ولعنتنا وتلعنه السموات السبع ومن فيهن. قال معاذ قلت يا رسول الله أنت رسول الله وأنا معاذ. قال اقتد بى (٢) وإن كان في عملك تقصير، يا معاذ: حافظ على لسانك من الوقيعة في إخوانك من حملة القرآن، واحمل ذنوبك عليك ولا تحملها عليهم، ولا تزك نفسك بذمهم، ولا ترفع نفسك عليهم، ولا تدخل عمل الدنيا في عمل الآخرة، ولا تتكبر في مجلسك لكى يحذر الناس من سوء خلقك، ولا تُنَاج رجلا وعندك آخر. ولا تتعظم على الناس فينقطع عنك خير الدنيا والآخرة؛ ولا تُمزق الناس فتمزقك كلاب النار يوم القيامة في النار. قال الله تعالى: (والناشِطات (٣) نشطا) أتدرى ماهنَّ يا معاذ. قلت ما هن بأبى انت وأمى؟ قال كلاب في النار تنشط اللحم والعظم. قلت بأبى أنت وأمى فمن يطيق هذه الخصال. ومن ينجو منها؟ قال يا معاذ إنه ليسير على من يسره الله عليه. قال فما رأيتُ أكثر تلاوة للقرآن من معاذ للحذر مما في هذا الحديث رواه ابن المبارك في كتاب


(١) في نسخة: فيتجاوزون.
(٢) في نسخة: اقتد أي اعمل صالحا.
(٣) الناشطات: يعنى النجوم تنشط من برج إلى برج، وفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلاب جهنم تنهش لحمه وتعرق عظمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>