للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند الترمذيِّ عنه: جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله ما يوجب الحجَّ؟ قال: الزَّاد والرَّحلة، وقال: حديث حسنٌ.

١٢ - وتقدم في حديث ابن عمر: وأمَّا وقوفك عشية عرفة، فإنَّ الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاءوني شعثاً من كلِّ فجٍ عميق يرجون جنَّتي، فلوْ كانت ذنوبكم كعدد الرَّمل، أوْ كقطرِ المطر، أو كزبدِ البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكمْ، ولمنْ شفعتمْ له. الحديث.

١٣ - وفي رواية ابن حبان قال: فإذا وقف بعرفة، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ينزلُ إلى السماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أنِّي قد غفرت لهمْ ذنوبهم وإنْ كانت عدد قطرِ السماء ورمل عالج. الحديث.

(الشعث) بكسر العين: هو البعيد العهد بتسريح شعره، وغسله.


= في الحرم، ولا تتعرض لها، وأن كل جـ بار قصده بسوء قهره بسوء قهره الله كأصحاب الفيل، ومنها (مقام إبراهيم) أي أثر قدمه في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الإلانة من بين الصخار: وإبقاؤه دون أثر الأنبياء عليه السلام، وحفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة، ويؤيده أنه قرئ آية بينة على التوحيد، وسبب هذا الأثر: أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة. فغاصت فيه قدماه (حج البيت) قصده للزيارة، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالزاد والراحلة، وهو يؤيد قول الشافعي رضي الله عنه أنها بالمال، ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك رحمه الله تعالى: إنها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: أنها بمجموع الأمرين والضمير في (إليه) للبيت أو الحج، وكل ما أتى إلى الشيء فهو سبيله (ومن كفر) وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه، وتغليظا على تاركه. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يحج، فليمت إن شاء يهوديا، أو نصرانيا).
وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولا، ثم تخصيصه ثانيا. فإنه كإيضاح بعد إبهام، وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرا من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء. فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان، وقوله: (عن العالمين) يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم، والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس، وإتعاب البدن، وصرف المال، والتجرد من الشهوات، والإقبال على الله تعالى.
روي أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب المال فخطبهم، وقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فآمنت به ملة واحدة، وكفرت به خمس. فنزل ومن كفر. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله؟ والله شهيد على ما تعملون) أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يهديه من وجوب الحج وغيره. أهـ بيضاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>