وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في الصورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولا، ثم تخصيصه ثانيا. فإنه كإيضاح بعد إبهام، وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرا من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء. فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان، وقوله: (عن العالمين) يدل عليه لما فيه من مبالغة التعميم، والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس، وإتعاب البدن، وصرف المال، والتجرد من الشهوات، والإقبال على الله تعالى. روي أنه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب المال فخطبهم، وقال إن الله كتب عليكم الحج فحجوا. فآمنت به ملة واحدة، وكفرت به خمس. فنزل ومن كفر. قال تعالى: (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله؟ والله شهيد على ما تعملون) أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما يهديه من وجوب الحج وغيره. أهـ بيضاوي.