للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكنت أخدمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّما نزل. قال: ثمَّ أقبل حتى إذا بدا له أحد قال: هذا جبل يحبُّنا ونحبُّه (١)

فلما أشرف على المدينة قال: اللهمَّ إني أحرِّم ما بين جبليها مثل ما حرَّم إبراهيم مكَّة ثمَّ قال: اللهمَّ بارك لهمْ في مدِّهم وصاعهمْ. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

(قال الخطابي): في قوله: هذا جبل يحبنا ونحبه، أراد به أهل المدينة وسكانها، كما قال تعالى: واسئل القرية: أي أهل القرية. قال البغوي: والأولى إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء، وأهل الطاعة كما حنت الاسطوانة على مفارقته صلى الله عليه وسلم، حتى سمع القوم حنينها إلى أن سكنَّها، وكما أخبر أن حجراً كان يسلم عليه قبل الوحي، فلا ينكر عليه، ويكون جبل أحد، وجمع أجزاء المدينة تحبه، وتحنّ إلى لقائه حالة مفارقته إياها.

(قال الحافظ) وهذا الذي قال البغوي حسن جيِّد، والله أعلم.

٣٠ - وقد روي الترمذي من حديث الوليد بن أبي ثور، عن السدي عن عبادة ابن أبي يزيد، عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكِّة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجرٌ إلا وهو يقول: السَّلام عليك يا رسول الله. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.

٣١ - وعنْه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحدٌ جبلٌ


(١) الصحيح المختار أن معناه أن أحداً يحبنا حقيقة، جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به كما قال سبحانه وتعالى (وإن منها لما يهبط من خشية الله) وكما حن الجذع اليابس، وكما سبح الحصى، وكما فر الحجر بثوب موسى صلى الله عليه وسلم، وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي)، وكما دعا الشجرتين المفترقتين فاجتمعتا، وكما رجف حراء فقال: (اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق) الحديث.
وكما كلمه ذراع الشاة، وكما قال سبحانه وتعالى: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) والصحيح في معنى هذه الآية كل شيء يسبح حقيقة بحسب حاله ولكن لا نفقه، وقيل يحبنا أهله. أهـ ص ١٤٠ جـ ٩.
أي أخي إذا كان الجبل ميزة الله بإدراك يحب خير الخلق صلى الله عليه وسلم. فما بالك أيها العاقل تقصر في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن علامة المحبة أن تعمل بشريعته، وتكثر من ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتشوق لزيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم مع أداء فريضة الحج، وتقبل على طاعة الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>