قال إسماعيل القاضي في المبسوط: والفرق بين الهدايا والضحايا: أن إشعار الهدي وتقليده وتجليله وسياقه إيجاب فيه بالنية والفعل فلا يجوز بدله، ولا يضره بعد ذلك عيب دخله، فإن عطب الواجب منه قبل بلوغ محله ونحوه كان عليه بدله، لقوله تعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}، وقال تعالى:{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، فكان عليه في الهدي أمران: أحدهما: إيجابه وهو مما يجوز أن يهدى، والآخر: أن يبلغ محله، والضحايا بخلاف ذلك؛ لأن صاحبها لم يؤمر أن يوجبها بشيء قبل ذبحها، وإنما هو رجل ينوي أن يضحي بها، فالنية لا توجبها، غير أنه يستحب له أن لا يبطل ما نوى فيها.
قال: ولو أن إنساناً اشترى أضحية، فقال بلسانه: قد أوجبتها لم يجز عندي أن يبدلها، يريد: ولا يضر عيب دخلها.
قال: لأنه أوجبها بالنية والقول.
م: قال نحوه غير واحدٍ من البغداديين، وهذا قول حسن، غير أن ظاهر كلام مالك خلافه، وقد قال مالك في كتاب ابن المواز فيمن اشترى أضحية سليمة فأوجبها فلم يذبحها حتى نزل بها عيب لا تجوز به في الضحايا أنها لا تجزئه، بخلاف الهدي يحدث به عيب بعد التقليد والإشعار، وذلك أن الضحايا لا تجب إلا بالذبح، والهدايا تجب بالتقليد، فقد نفى مالك أن تجب بغير الذبح؛ لأن الذبح فعل كالتقليد، وذلك أقوى من القول، وما قاله مالك إلا السنة عنده فيهما، ولا علمت لأصحابه فيه اختلافاً.
م: وإن كان القياس عندي: أن لا تجزئ الهدايا أيضاً حتى تبلغ محلها ثم تنحر وهي سليمة؛ لأنه إذا كان هلاك جميعها بعد التقليد وقبل بلوغ محلها لا تجزئ ربها،