قد تقدم في أول الكتاب ذكر الاختلاف هل يقاد من الشهود إذا رجعوا وأن أكثر القول أن لا يقاد من الشهود.
وعلى هذا القول أجرى مسائل هذا الباب.
ومن كتاب ابن المواز: وإن شهد رجلان على حر أنه قتل حراً فقتل ثم رجعا وقالا تعمدنا الزور ليقتل به فإنهما لا يقتلان ويضمنان الدية في أموالهما، وإنما لم يقتلا؛ لأنهما لم يجنيا بأيديهما وإنما قتله السلطان بما غراه ولم أجعل ديته على عاقلتهما؛ لأن عدالتهما يوم رجعا قد سقطت فلو قبلت قولهما في الرجوع على العاقلة لنقضت بقولهما الحكم الأول.
قال: ولو شهدا أنه قتله عمداً فحكم الإمام بقتله ودفه إلى أولياء المقتول فذهبوا به ليقتلوه فرجعا وأقرا بالزور قبل أن يقتل فقد اضطراب فيه القول.
فقال ابن القاسم: ينفذ عليه القتل بالحكم الأول، ولا يرد برجوعهما؛ لأنهما الآن ممن لا تقبل شهادتهما، وإنما يؤخذان بقولهما الثاني في أنفسنا فيما أقر به مما اتلفاه فضمناه.
ثم رجع ابن القاسم فقال هذا هو القياس، ولكن أقف عن قتله لحرمة القتل، وكذلك القطع وشبهه، وأرى فيه العقل أحب إلي.
واختلف أيضاً قول أشهب كاختلاف قول ابن القاسم.
وقال أصبغ: القياس القتل والقطع والرجم في الزنى للمحصن وفي كل شيء، ولكن أستحسن لحرمة الدم وخطر القتل أن لا يقتل ولا دية فيه على المشهود عليه ولا على الشهود وأراه شبهة كبيرة.