ومن الواضحة: قال أصبغ فيمن حلف على أمر قد سلف أن لو أدركه لفعل كذا: فهو حانث، كان مما يمكنه فعله أو لا يمكنه، مثل أن يحلف لغريمه: لو جئتني أمس لقضيتك حقك، فهو حانث؛ لأنه غيب لا يدري أكان فاعلاً أم لا، وإنما يفترق ما يمكن وما لا يمكن في المستقبل، فما كان يمكن فعله من قضاء دين، أو عطية مال، أو شق ثوب، أو ضرب وشبهه، فلا شيء فيه حتى يفعل أو لا يفعل، وما لا يمكن من شق جوف أو فقء عين، أو قتل، أو قطع وشبهه فهو حانث مكانه، وقاله ابن القاسم.
وقال ابن الماجشون: سواء حلف على أمر سلف أو أمر مستقبل، فإن كان يمكن فعله فلا شيء عليه، وإن كان غير ممكن فهو حانث في الوجهين إلا أن تكون له نية في فعل غير ما سمى، وقاله مالك فيهما، ألا ترى أن مالكًا قال في الذي حلف بالطلاق في شيء كان بينه وبين رجل لو أدركه البارحة لفعل كذا وكذا من أمه، وأمه ميته، وقال: إنما نويت أن أشجه لو أدركته، أو أصنع به شيئًَا، وقد علمت وفاة أمه، فدينه مالك ولم يحنثه.
قال ابن الماجشون: فهذا فيما سلف، ولو لم تكن له نية فيما قد لفظ به مما لم يمكن فعله لحنثه مالك كما حنث القائل: لو كنت حاضرًا لشرك مع أخي لفقأت عينك.
قال الشيخ: وهذا أشبه بظاهر المدونة، ألا ترى قول مالك وعلته في المسألة لأنه حلف على شيء لا يبر فيه ولا في مثله.