وأما إذا كان الأول حالاً، وهو مليء فقد ملك قبضه فتأخيره به كابتداء سلف فكأنه أسلافه ذلك، والسلف الثاني برهن آخر فذلك جائز.
وأما إذا كان عديماً فهو كمن لم يملك قبض دينه الأول فكأنه أسلفه الآن على أن أعطاه وثيقة بالأول، فهو أيضاً سلف جر منفعة.
وأما إن كان الرهن له فهو كالمليء، وأما إن كان عليه دين أحاط به فهو أيضاً سلف جر منفعة؛ لأنه لو لم يرهنه لدخل عليه الغرماء في ذلك وحاصوه، فكأنه أسلفه ليستبد بالرهن فلم يجز ذلك. وبالله التوفيق.
قال بعض فقهاء القرويين: اختلف قول ابن القاسم في هذه المسألة، فقال هاهنا: إن الرهن كله رهن بالدين الآخر، وجعل ما بطل من الرهن بسبب الفساد كما لو قضى بعض الدين أن الرهن كله يكون رهناً ببقية الدين، وذلك أن الرهن وقع لدينين، دين متقدم، ودين متأخر، فبطل ما ناب المتقدم، وجعل الرهن كله للمتأخر تشبيهاً بقضاء الدين.
وفي القول الآخر جعل ما قابل الدين الأول يبطل من الرهن بقدره، فإن تساويا بطل نصف الرهن، وكان نصف الرهن رهناً بالدين الآخر فقط.
فصل [٢ - فيمن رهن رهناً في جناية]
ومن المدونة قال ابن القاسم: ومن جنى جناية خطأ لا تحملها العاقلة، وعليه دين يحيط بماله، فرهن في الجناية رهناً قبل قيام الغرماء عليه، ثم فلس، فصاحب الجناية أحق بالرهن من الغرماء، ولا حجة لهم إن قالوا: إن ذلك ليس من ابتياع أو تجارة؛ لأن مالكاً قال: لو لم يدفع رهناً في جنايته هذه حتى فلس كان للمجيء عليه محاصة غرمائه.