فإن قيل: المكتري كالمشتري، وهو يقول في المشتري فيما هلك بانتفاعه: إن للمستحق أن يرجع إن شاء عليه أو على الغاصب، قيلك إنما ذلك فيما هلك بنفس فعله كطعامٍ أكله أو ثوبٍ لبسه حتى أبلاه أو عبدٍ قتله، ومكتري الدابة لم تهلك بنفس فعله، وإنما هلكت تحته بأمر من الله، ولو حملها ما تعطب في فعطبت لذلك، أو تعمد قتلها لوجب أن يرجع عليه إن شاء أو على الغاصب، وهو في هذا كالمشتري إن ركب الدابة فهلكت بأمرٍ من الله تعالى لم يضمن، وإن هلكت بسبب فعله ضمن، فهذه أمورٌ مفترقة، ومالك أعلم بها من غيره، والله أعلم وبالله التوفيق.
قيل لابن المواز: فقد قال مالك في المشتري يهدم الدار أنه لا يضمن؟
قال: وقد قال مالك في قطعه الثوب: إنه ضامت.
قال ابن المواز: صوابٌ كله، والفرق أن الدار يقدر على إعادتها ولا يقدر على أعادة الثوب؛ وكذلك كسر الحلي كهدم الدار ليس بمتلفٍ، وقاطع الثوب كذابح الشاة وكاسر العصا، وكذلك بعثه للغلام إذا هلك فيه فهو تلفٌ له، وكذلك راكب الدابةن والباعث بها تهلك في ذلك.
م: وهذه مسائل أنا أتبع النص فيها إذا لم أجد خلافها، ولو قال قائل: إن هدم الدار وذبح الشاة وكسر الحلى وركوب الدابة وبعث العبد سواءٌ، لم أعبه، ولكنا قياساً؛ لأن هذا مالٌ قد تبين أنه لغيره، والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، وهدم الدار أشد من ذبح الشاة؛ إذ لا يعيد الدار إلى مثل ما كانت عليه إلا بمثل قيمتها صحيحة أو أكثر، وقد يشترى بثمن الشاة مذبوحة مثلها حية، فلم يدخل عليه كبير ضررٍ، وأما قوله: هذه تعود إلى ما كانت عليه وهذه لا تعود، فضعيف.