قال سحنون: ومعنى قوله: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}[الأنفال:٧٥] هم العصبة الذين كانوا لا يتوارثون قبل الهجرة، ولو كان تأويل ذلك في أهل الأرحام الذين ليسوا بعصبة ما جهل ذلك أهل دار الرسول -عليه السلام- وعليهم أنزلت الآية وفي دارهم، وما علمت أحداً من أهل المدينة ورث ذوي الأرحام من غير العصبة.
قال سحنون: ألا ترى أن العمة أقرب في الرحم من ابن العم وله الميراث دونها عند جماعة العلماء.
ويدل على فساد قول من قال في ذوي الأرحام الذين ليسوا بعصبة: أنزلوهم منازل آبائهم أنا وجدنا الأخ يرث المال أجمع.
فإن هلك الأخ وترك ابناً وبنتاً ثم توفي العم والعمة أن المال لابن الأخ دون ابنة الأخ، فأبطلوا الميراث بالرحم وجعلوا ذلك للعصبة، وكان يلزمهم أن يجعلوا البنات بمنزلة الآباء فيرثن مع بني الأخوة الذكور كميراث الأخوات مع الإخوة.
وقد أجمعوا على ميراث ابنة الابن مع ابن الابن، وحجبوا ابنة الأخ مع ابن الأخ.
وفي إجماعهم دليل على سقوطها إذا انفردت من قبل، لو كان لها حق في الانفراد ما بطل في اجتماعها مع من هو مثلها في الرحم كما كان حق ابنة الابن ثانياً في الانفراد فلم يجب سقوطها في اجتماعها مع من هو مثلها في الرحم.
قال إسماعيل القاضي: فمتى كان للميت عصبة من ذوي أرحامه فهم أولى، فإن لم يكونوا فالولاء، فإن لم يكن ولاء فبيت مال المسلمين، فإن لم يكن بيت فأولوا الأرحام؛ لما جاء في ذلك من الآثار المتقدمة لا سيما إن كانوا ذوي حاجة وفاقة، فيجب اليوم أن نتفق على توريثهم، وإنما تكلم مالك وأصحابه إذا كان للمسلمين بيت مال؛ لأن بيت المال يقوم مقام العصبة إذا لم تكن عصبة، ألا ترى أن الرجل لو قتل قتيلاً خطأ ولم يكن له عصبة ولا موال وجب أن يعقل عنه من بيت مال المسلمين، فكذلك يكون ميراثه لبيت المال، فإذا لم يكن بيت مال أو كان بيت المال لا