ولكنه ضجر عندما أعجزك منها وغضب منك عليه، فلو مضيت على رفضها أو أمسكت عن طلبها أوشكت أن ترى من نفسك الضجر والجزع أشد مما رأيت من الضجر الأول، ولكن إذا دعتك نفسك إلى رفض الدنيا وهي مقبلة عليك فأسرع إلى إجابتها.
وإني أخبرك عن صاحب لي كان من أعظم الناس في عيني وكان من عظمته في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجا من سلطان بطنه لا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر ما يجد، وكان خارجا من سلطان فرجه فلا يدعوه إلى موته ولا يسخف له رأيا، وكان خارجا من سلطان الجهالة فلا يقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا قال عند القائلين كان متضاعفا مستضعفا، وإذا جد الجد فالليث عاديا، وكان لا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا منصفا وشهودا عدولا، وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر في مثله موجودا حتى يعلم ما اعتذاره، وكان لا يشكو وجعا إلا لمن يرجو عنده البرء، ولا يصاحب صاحبا إلا من يرجو عنده النصيحة لهما جميعا، وكان لا يتبرم