ويجب أن نبين في نفس الوقت هنا حقيقة التوكل ونظهر أن التوكل ليس بترك الدواء، والنبي صلى الله عليه وسلم داوى وكوى - كي أسعد بن زرارة (رضي الله عنه) - وردت كثير من الأحاديث تتعلق بالدواء وقال للآخر:((صف له داءك يصفه الحارث بن كلدة - وكان طبيبًا كافرًا)) . إذن لا بد من التداوي.
النقطة الثانية: هي مسألة الميؤوس منه وكما قال الأخ الذي تكلم قبلي: لا بد أن يقرر ذلك جمع من الأطباء، ألا يقرره طبيب واحد وفوق كل ذي علم عليم، وألا ييئسه فقد ورد في آداب عيادة المريض أن نقول له: لا بأس طهور، وقال عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إني أراك بارئًا يا خليفة رسول الله، قال: وإني مع ذلك لدنف قالها أبو بكر مجيبًا له. فهذا يدل على أن المريض ينبغي أن نعطيه أملًا وألا نقطع أمله وطمعه في الحياة.
النقطة الثالثة: هي إعطاء الأعضاء، أنا لا أرى أي شخص يمكنه أن يتبرع بعضو شخص آخر أو يبيعه، ولو كان أبًا ولو كان أخًا ولو كان المتبرع بعضوه قاصرًا، إن هذا الشخص لا يملك أعضاء هذا الشخص الآخر، ولو كان مجنونًا. لا يجوز أبدًا بحال من الأحوال أن يتبرع بعضو منه لشخص آخر، والقاعدة هي أنه لا ننزل ضررًا بشخص لفائدة شخص آخر (لا ضرر ولا ضرار) ، فإنزال الضرر بهذا الشخص ولو كان مريضًا أو متخلفًا عقليًّا لفائدة شخص آخر، هذا أمر حرام وملكية الأعضاء هي من ملكية الانتفاع والله - سبحانه وتعالى - سخر هذه الأعضاء للإنسان لينتفع بها وليست لتعطى لغيره، وقد أفتى المجمع فيما أعتقد في الأعضاء المزدوجة بجواز التبرع لشخص، وإن كان عندي توقف في هذا ولكن الأمر الآن يتعلق بتبرع شخص آخر، هذا الأمر لا يجوز، وهذه القضايا في غاية الدقة والطبيب عليه أن يراقب الله - سبحانه وتعالى - في معاملته مع المريض ولا يحتاج إلى إذن في الحالة الخطيرة كما قال الأخ الذي سبقني في الكلام.
خلاصة القول: أولًا: إن التداوي في الحالات الضرورية واجب شرعًا، وكل الأحاديث التي وردت بخلاف ذلك فإن الأصول العامة والأحاديث الأخرى تحكم عليها، والأصول العامة مقدمة على النصوص الجزئية، هذا أمر مسلم به ومقاصد الشريعة واضحة.
ثانيًا: أنه لا يجوز تبرع شخص بعضو شخص آخر ولو كان قاصرًا أو مجنونًا (وشتى أنواع القصور) .
ثالثًا: هو أن المريض لا يجب أن نحمله على اليأس من روح الله ومن رحمة الله: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[يوسف ٨٧] و {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر:٥٦] . فيجب أن يبقى له أمل. وشكرًا.