بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
أشكر الباحثين على بحوثهم القيمة في هذا الموضوع، ولقد كنت أعددت عنه بحثًا مستعجلًا، فيما أن الجماعة قرأوا بحوثهم فأنا أذكر ملاحظاتي فقط، وهي تدور حول أربع نقاط:
أولًا: حكم التداوي (مشروعية التداوي) .
ثانيًا: حكم دواء الأجنبية للأجنبي والعكس.
ثالثًا: هل يجوز التداوي بالنجس؟
رابعًا: هل يجوز أو يمكن أن يشترى النجس للدواء؟
حول النقطة الأولى أقول وبالله أستعين: إن الأحاديث الصحيحة الواردة في الأمر بالدواء، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له، كانت أحاديث كثيرة وصحيحة، أما الأحاديث التي منها: حديث البخاري ومسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره) ، وحديث مسلم (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى) أو كما قال. وهناك أيضًا أحاديث كثيرة في هذا المجال.
أما الأحاديث التي تقول بعدم التداوي، فهذه إنما هي للورع، وذكر البهيقي - رحمه الله - أنها تحمل على الورع فقط لمن علم أو لم يتيقن من أن المرض سيؤدي به إلى الموت، فحينئذ لا خلاف عند جميع الأئمة أن الدواء جائز، والإمام أحمد الذي قال: إن الأفضل غيره (لم يذكر منعه) .
ثانيًا: نتكلم عن النقطة الثانية وهي دواء الأجنبية لأجنبي أو العكس، هذا يجوز عند الضرورة، لأن نظر الأجنبي للأجنبية حرام وكذلك لمسه لها، فإذا لم يوجد طبيب من جنس المعالج، أو لم يوجد طبيب محرم للمرأة أو العكس، وكانت الضرورة ملحة جاز للمرأة أن تداوي المريض.
ثالثًا: المسألة الثالثة هي الدواء بالمحرم.
الدواء بالمحرم منعه الإمام مالك والحنابلة واستدلوا بحديث ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام)) رواه أبو داود وحديث أم سلمة ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) رواه الطبراني وقال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح، وهذا كله في غير حالة الضرورة الملحة، أما عند الضرورة التي تهدد حياة المسلم فإنه لا مجال للتردد في إباحة التداوي بالنجس إذا لم يوجد دواء طاهر غيره، وذلك يتوقف على قول الأطباء المهرة المختصين، ولا سيما في شيء قد أثبتت التجربة الشفاء به كالإسعاف بالدم الذي أصبح لاغنى عنه في الطب الحديث، الأصل في ذلك قوله تعالى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . [الأنعام:١١٩]