قال القرطبي: والحجة في ذلك أن الضرورة ترفع التحريم فيصير مباحًا، وعليه فإنه يجوز للمسلم أن يتبرع ببعض دمه لمضطر لذلك الدم إذا كان لا يضر بصحته وله الأجر في ذلك.
أما المسائل الأخرى كالأعضاء وغير ذلك فإن الحقيقة أن التجربة لم تثبت، لأن المسألة لا بد أن يكون شيئًا مجربًا فأما نقل عضو إلى مريض آخر ... اللهم إلَّا إذا كانت الكلية فإن الأطباء قد جربوا أنها لا تضر بمن انتزعت منه وتشفي الذي زرعت له ورأينا ذلك كثيرًا.
رابعًا: ثم بعد ذلك نتكلم عن بيع الدواء النجس: - مثلًا هذا الدم - لو افترضنا وهذا يفعله كثير من المستشفيات لأن المريض ربما يكون في حالة خطيرة وربما لا يوجد في ذلك الوقت الدم الذي ينقل له كما هو الواقع في كثير من البلاد خصوصًا حوادث السير - إذا لم يوجد ذلك فإنني أيضًا أرى أن من اضطر لبيع بعض دمه أنه يجوز له أن يبيعه لمضطر يعالج به، والدليل في ذلك أقوال عند المالكية، قول عند المالكية، قال الفقيه المالكي ابن عاصم - رحمه الله -:
ونجس صفقته محظورة
ورخصوا في الزبل للضرورة
قال التسولي: محظورة أي ممنوعة على المشهور وقيل بجواز بيعه وهي رواية ابن وهب، والمراد بالزبل هنا زبل محرم الأكل، وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يكره بيع رجيع بني آدم ولم أسمع منه في الزبل شيئًا وأرى أنه لا بأس به. وقال أشهب: أكره بيع رجيع بني آدم إلا من اضطر إليه، والمبتاع أعذر في شرائه من بيعه، بعد ذلك عقب الحطاب على هذا الكلام قال: ويتحصل في بيع العذرة أربعة أقوال: المنع لمالك، وعلى فهم الأكثر من أن الكراهة على التحريم، والكراهة على فهم أبي الحسن وهو ظاهر اللخمي من أن الكراهة على بابها، والجواز لابن الماجشون، والفرق بين الاضطرار فيجوز وعدمه فيمنع وهو قول أشهب، ومعلوم أن نجاسة العذرة أشد من نجاسة الدم إذ لا يعفى عن شيء منها عند الجمهور.
إذن هذه المسألة أريد أن تدرس لأنني مررت بها مرورًا عابرًا، وأرجوا أن تدرس لأنها في الحقيقة ملحة جدًّا. أقول قولي هذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.