ذكر بعض الإخوة الزملاء أن جمهرة الفقهاء يرون أن التداوي واجب، والذي أعرفه العكس، فإن جمهور الفقهاء يرون أنه مباح، وبعضهم ذهب إلى أنه واجب، والمسألة فيها تفصيل، هذا التفصيل نأخذه من نوع العلاج، هناك العلاج الوقائي أو الطب الوقائي فهذا واجب قطعًا لأنه من منع الإلقاء في التهلكة وتجنب التلف، وهذا الأدلة عليه كثيرة وواضحة وأبرزها حديث (الطاعون) ومنع الإنسان من الدخول إلى الأرض الموبوءة وأمر هذا معروف، فكل ما كان من وقاية الإنسان في الوقوع في التلف أو في المهلكة فهذا واجب لأن التقحم في ذلك يعتبر من باب قتل النفس أو الانتحار، ولا يفترق أو يبتعد كثيرًا عن امتناع الإنسان عن الطعام أو الشراب وسد الرمق، فذلك قطعًا واجب لأنه متيقن عادة أن الإنسان إذا لم يأكل يموت ويتلف نفسه فيجب عليه أن يأكل ويشرب، وكذلك يجب عليه أن يتقي المهالك، فينطبق هذا على كل ما يندرج تحت الطب الوقائي ومنه - كما قلنا - عدم الدخول إلى الأماكن الموبوءة ومنه تخريجا التطعيم، لأن تطعيم وتلقيح الصغار والأصحاء في حال الأوبئة يعتبر نوعًا من الحجر وعدم الدخول في تلك المناطق أو في تلك الظروف.
أما الطب العلاجي فينقسم إلى نوعين: نوع يتيقن عادة أن الإنسان إذا لم يعالج نفسه من المرض يموت ويتلف، وذلك كما مثل له الفقهاء بأن الإنسان إذا جرح ونزف دمه فيجب عليه أن يربط هذا الجرح ويرقأ هذا الدم، لأنه لو تركه سيؤدي به قطعًا إلى الموت فهو نظير الامتناع عن الطعام والشراب، فهذا أيضًا من الواجب.
يبقى عندنا دائرة ضيقة أو محدودة وهي العلاج المظنون، الذي لا يقطع ولا يتيقن بأنه يؤدي إلى البرء والشفاء، فهذا الذي اختلف فيه العلماء، والذي أعلمه أن أكثرهم يرون أنه من المباح، وبعضهم يرى أنه مندوب، ولعل القول بالندب هو أولى.