للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبيل العملي في بيان علاقة الدولة المسلمة بغيرها:

ولقد سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم السبيل العملي في بيان علاقة الدولة المسلمة بغيره من الدول المخالفة في الدين ليتضح أمام العالمين أن دولة الإسلام تتسع لعلاقات سلمية مع الدول المخالفة، بل وتتسع الدولة الإسلامية نفسها للتعايش مع المخالفين في الدين ما داموا مسالمين قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (١) .

وقد كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهودًا وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم، وهاذ نص الكتاب:

((بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانهيم (٢) . بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وأن المؤمنين لا يتركون مقرحًا (٣) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وأن لا يحالف مؤمن قول مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة (٤) ظلم أو إثم، أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعًا، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافر على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة , يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصرين عليهم، وأن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء عدل بينهم، وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضًا، وأن المؤمنين يبنئ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه، وأنه لا يجير مشرك مالًا لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن، وأنه من اعتبط (٥) مؤمنًا قتلًا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم القيام عليه، وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثًا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله , وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين , لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم، وأنسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (٦) إلا نفسه، وأهل بيته، وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف , وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وأن حفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وأن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وأن البر دون الإثم، وأن موالي ثعلبة كأنفسهم، وأن بطانة يهود كأنفسهم، وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينحجز على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، إلا من ظلم، وأن الله على أبر هذا (٧) , وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم أمرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله ـ عز وجل ـ وإلى محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا تجار قريش ولا مَن نَصَرَها، وأن بينهم النصر على دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذا الصحيفة مع البر المحصن من أهل هذه الصحيفة)) .


(١) سورة الممتحنة: الآية ٨
(٢) أسيرهم
(٣) المقرح المثقل بالدين، والكثير العيال
(٤) الدسيعة، العظيمة
(٥) قتل بلا جناية
(٦) يوتغ: يهلك
(٧) يعني على الرضا به

<<  <  ج: ص:  >  >>