للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن حالة السفر فقط من بين هذه الأسباب لم يشترط لها بالضرورة وجود المشقة من حيث الأحكام المتعلقة بهذه الحالة. واتفق العلماء على جواز تطبيق الأحكام الخاصة بالسفر متى وجد السفر بالشروط المحددة من قبل الشارع. إن أحكام الترخص المتعلقة بحالة السفر قد بحثت بشكل واسع في المؤلفات القديمة والحديثة. لذلك لن نقوم بالبحث هنا في هذه الأحكام، أما الحالات الثلاثة الأخرى فهي حالات يمكن أن تقوم بتقويمات مختلفة تبعًا لدرجة المشقة التي تحتوي عليها.

المرض من بين هذه الحالات له مجال ضيق من التطبيق ولا حاجة لدراسة الأحكام الخاصة المتعلقة بهذه الحالة في بحثنا هذا (١) .

بالنسبة إلى السببين الآخرين (الاضطرار والإكراه) فهذا السببان لهما مجالات واسعة جدًا تتيح الفرصة لوجهات نظر مختلفة من حيث أحكام الرخصة. إن الإكراه مع أنه يمكن عدة نوعا من الاضطرار إلا أننا هنا نرى – كما هو واضح من عنوان " أنواع الرخص " – أن بعض العلماء يرتبون نتائج مختلفة على هاتين الحالتين.

هذه التقويمات المختلفة يمكن أن نوضحها كما يلي:

إن الفكرة التي تبناها جمهور العلماء (الأحناف في ظاهر الرواية، والشافعية على الأصح، والمالكية والحنابلة في المختار عندهم) في موضوع الأكل أو الشرب من المحرمات في حالة الاضطرار هي ارتفاع حكم الحرمة بالنسبة لذلك الشخص وبالتالي لزوم اعتبار ذلك كمن يقتل نفسه بسبب امتناعه عن فعل مباح (كالأكل والشرب) ووجهة نظرهم في قولهم هذا، إدراكهم لمقصد الشارع من التحريم ونتيجة لإدراكهم هذا إفادتهم بأن القيمة المستهدفة حفظها بهذا التحريم هي " النفس " أيضا ولا يتحقق الحفاظ عليها إلا بالإقدام على ذلك الفعل المحرم. هناك فريق آخر من العلماء (أبو يوسف والظاهرية وبعض الشافعية والحنابلة) يذهبون إلى أن الشخص الذي يتجلد ويصبر على عدم الأكل والشرب من المحرم ويرضى بالموت إنما يظهر مدى تمسكه بدينه، كما قد ذكرنا أن الحنفية في النوع الأول من الرخصة الحقيقة من التقسيم الرئيسي للرخصة يرون بأن الشخص الذي يصر على الصوم أو على عدم الأكل من مال غيره رغم الإكراه لا يأثم، بل يكسب الأجر بسبب قيامه بواجبه الديني. وهذا يبين لنا أن الفقهاء مع اتفاقهم على أن " الدين " يمثل أعلى المراتب عند ترتيب القيم الضرورية، فإنهم يبدون آراء مختلفة بشأن اعتبار أي التصرفات وفي أي الحالات يتحقق بها حفظ الدين. وبعبارة أخرى يختلفون في شأن تطبيق المبدأ على الأحداث.


(١) انظر: سليم، الرخص، ص: ٥٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>