للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن هذا القبيل أي الاختلاف في التقويم عند تطبيق المبدأ على الأحداث أن الشخص الذي يصر على الصوم ويجابه الإكراه يؤجر ولو مات بسبب ذلك (ويعتبر أنه مات في سبيل القيام بواجب العبودية له تعالى لغيرته الدينية) لكن الشخص الذي يموت نتيجة إصراره على الصوم في حالة وجود السفر أو عذر شرعي آخر يعتبره الشارع مبيحا ًللفطر ومؤجلاً لوجوب الصلاة إلى عدة من أيام أخر (وهو يعلم أن هناك خطرًا على نفسه) يكون آثمًا.

لقد وضع العلماء المسلمون بعض المعايير المتعلقة بأحوال الإكراه والضرورة (الضرورة والاضطرار مشتقة من الضرر بحسب المعنى اللغوي وتستعمل إحداهما في مكان الأخرى عند الفقهاء. لكن الضرورة تعبير عن حالة مجردة وعامة أما الاضطرار فهو عبارة عن ظهور هذه الحالة إلى الوجود في شكل أحداث واقعية) (١) . وتناولوا الإكراه خصوصًا كنظرية. ولكنهم قد اهتموا أثناء دراستهم – بشكل أزيد – بالنتائج الفقهية والحقوقية لهاتين الحالتين أي بالأحكام الموضوعة التي هي موضوع النزاعات الحقوقية ولذلك عند معالجتهم لهذه القضية نظروا إليها من حيث حقوق العباد أيضا (٢) .

وفي الحقيقة فإن مفهوم الرخصة إنما يخاطب جانب التدين عند الشخص غالبًا. أي أنها مفهوم يحقق الطمأنينة للشخص من حيث عدم تصرفه مخالفًا لمرضاة الله سبحانه حتى في حالات العذر التي يواجهها خلال قيامه بواجب العبودية لله تعالى ولذلك يجب تقويم هذه الحالات بحسب ظروف كل مكلف وبحسب درجة تأثير المشقة وكذلك بحسب التوازن بين المشقة التي تسببها حالة العذر وبين مدى أهمية حكم العزيمة الذي سيترك لوجود ذلك العذر. إذن يلزم القبول لعدم وجود حدود وقواعد قطعية للعذر الذي يشكل سببًا لحكم الرخصة كما يرى كثير من المؤلفين ويجب ترك ذلك لتقدير المكلف. من المؤكد أن هذا التقدير ليس اتباعًا للهوى وإنما هو حق تقدير يجب استعماله في ضوء المبادئ التي أوجدت الشروط المذكورة لحالات الإكراه والضرورة.

وتجدر الإشارة إلى أن جمهور الفقهاء قد ذهبوا إلى أن الرخص المنصوص عليها إذا كانت مما يعقل معناها يمكن أن يقاس عليها غيرها من الجزئيات التي تشاركها في علة الحكم. وأما أبو حنيفة وأصحابه – باستثناء أبي يوسف – فقد ذهبوا إلى منع القياس على الرخص.


(١) انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، ١٤ / ٦١ وما بعدها.
(٢) انظر في هذا الموضوع: الزحيلي، نظرية الضرورة الشرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>