للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الشاطبي (١) مشيرًا إلى معنى الإباحة في هذا الاستعمال " الإباحة المنسوبة إلى الرخصة هل هي من قبيل الإباحة بمعنى رفع الحرج، أم من قبيل الإباحة بمعنى التخيير بين الفعل والترك؟ فالذي يظهر من نصوص الرخص أنها بمعنى رفع الحرج لا بالمعنى الآخر".

وفي الصفحات التالية لهذه الصفحات يوضح الشاطبي (٢) الفرق بين وجهتي النظر هاتين قائلاً:

" إذا فرعنا على أن الرخصة مباحة بمعنى التخيير بينها وبين العزيمة، صارت العزيمة معها من الواجب المخير؛ إذ صار هذا المترخص يقال له: إن شئت فافعل العزيمة وإن شئت فاعمل بمقتضى الرخصة. وما عمل منهما فهو الذي واقع واجبًا في حقه، على وزان خصال الكفارة. فتخرج العزيمة في حقه عن أن تكون عزيمة.

وأما إذا فرعنا على أن الإباحة فيها بمعنى رفع الحرج، فليست الرخصة معها من ذلك الباب؛ لأن رفع الحرج لا يستلزم التخيير. ألا ترى أن رفع الحرج موجود مع الواجب. وإذا كان كذلك تبينا أن العزيمة على أصلها من الوجوب المعين المقصود للشارع. فإذا فعل العزيمة لم يكن بينه وبين من لا عذر له فرق، لكن العذر رفع الحرج عن التارك لها إن اختار لنفسه الانتقال إلى الرخصة. وقد تقرر قبل أن الشارع إن كان قاصدًا لوقوع الرخصة، فذلك بالقصد الثاني. والمقصود بالقصد الأول هو وقوع العزيمة "

لقد تبنى العلماء آراء مختلفة حول الإجابة على سؤال أيهما أفضل: استعمال هذا الإذن أم عدم استعماله (أيهما أولى الأخذ بالعزيمة أم الأخذ بالرخصة) . مع أن القاعدة في حكم الرخصة هي إباحة ارتكاب الفعل المحرم وترك الفعل الواجب؟ والشاطبي بعد عرضه لأدلة كلا الرأيين وتعليلاتها بتوسع لا يبدي رأيًا واضحًا على صورة قاعدة وإنما يفيد أن هذا يتغير تبعًا لنظر المجتهد وأنه يجب تقديم المسألة في إطار الإيضاحات التي تذكر حول مفهوم المشقة (٣) .


(١) الشاطبي، الموافقات، ١ / ٣١٨.
(٢) الشاطبي، الموافقات: ١ / ٣٥٠ – ٣٥١.
(٣) الشاطبي، الموافقات: رأي " الأخذ بالعزيمة أولى " ١ / ٣٢٣ – ٣٣٨، رأي " الأخذ بالعزيمة ليس بأولى " ١ / ٣٣٩ – ٣٤٥؛ تقويم الشاطبي، ١ / ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>