للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذ قد تمهد لنا هذا، فلنشرع في الكلام على أحكام جريمة إفشاء الأسرار الطبية، ومدى المسؤولية الجنائية للطبيب إذا أفشى سراً من أسرار مهنته.

فأقول: إن الكلام في هذه القضية متشعب وطويل ومعقد؛ ذلك لأن مسؤولية إفشاء الأسرار عموماً: الطبية وغير الطبية، مسؤولية أدبية، قد تخطاها فقهاء الإسلام، إلى غيرها من العقوبات النصية المحددة، والذي حملهم على إغفال الكلام عليها صراحة، هو أنها تدخل في دائرة الآداب العامة والأخلاق، فهي بها أشبه وأقرب.

ولكنهم لم يغفلوا الإشارة إليها، فيما قعدوا من قواعد وفرعوا من فروع، والإشارة في بعض الأحيان تكون أبلغ من العبارة (والحر تكفيه الإشارة) ، فالباحث في كتب الفقه الإسلامي، لا يعدم وجود حكم لها.

يوضح ذلك: أن للشريعة الإسلامية، في تقسيم الجرائم والعقوبات، مسلكاً رفيعاً فريداً، فقد نصت على عدد من الجرائم، وفرضت لكل منها عقوبات محددة. كالحدود، والقصاص.

وأما باقي الجرائم، فلم تفرض لها عقوبات محددة، بل ترك الأمر فيها لأولي الأمر والقضاة، والمجتهدين يفرضون منها في كل حالة ما يناسبها من عقوبات تسمى في عرف الفقهاء بالتعزيرات.

وقد سماها الإمام الأكبر فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر (سابقاً) بالعقوبات (التفويضية) .

وأرى من المناسب، قبل أن أدخل في صميم الحديث، أن أذكر بعض المعلومات العامة ذات الصلة بالتعزير، ليتسنى لي إدراك ما أنا بصدده، والله ولي التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>