للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعزير لحماية الآداب العامة والأخلاق:

بقي –علاوة على ما تقدم- شيء آخر أجده لزاماً علي أن أذكره، وهو: أن الشريعة الإسلامية قد عنيت أشد العناية بحماية الآداب العامة، والأخلاق الكريمة، وذلك ابتغاء إيجاد أمة كريمة، ومجتمع فاضل، وشعب مثالي بعيد كل البعد عن الميوعة والتخنث، واللهو والعبث؛ ومن أجل ذلك تركت الشريعة الإسلامية المجال يتسع ويمتد حتى يشمل كل الصور، التي يتراءى فيها الأذى والضرر، وأوجبت التعزير على جميع الأعمال الموجهة ضد الأخلاق والآداب العامة، ومنها: إفشاء السر المصون، والحديث المكتوم، وخصوصاً السر بين الطبيب المعالج وبين مرضاه، فلا يجوز للطبيب إفشاؤه، ولا إذاعة أي شيء من المعلومات التي يحصل عليها من المريض، في أثناء علاجه، فالسر حجاب مستور، لا يجوز هتكه، وجانب من حياة المريض مقدس، لا ينبغي كشفه، وإن الطبيب الذي يذيع الأسرار، فيجرح عرض مريض يشهر به، ويسيء إلى سمعته، أو عرض امرأة يكشف سرها ويفضح أمرها ويلحق بها سبة تشينها وتشين ذريتها وذويها من حولها، هو ممقوت عند الله تعالى، وينبغي أن يكون ممقوتاً من كل نفس فاضلة، وكل قلب مؤمن رشيد.

ولقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الإنسان أشد الوعيد، وأنذره أفظع إنذار، فذكر أنه مصنوع به كما يصنع هو بالناس، ومقضي عليه كما يقضي هو عليهم، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله)) ، يعني: يفضحه الله في المكان الذي يأوي إليه، ويأمن به، ويطمئن إليه، وهو بيته الذي ينزل فيه، وكما قيل: (كما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل) .

ومن هذا نستطيع أن نخلص ونفضي إلى أن الطبيب الذي يذيع أسرار مرضاه، ولا سيما الأسرار الخاصة بينه وبينهم بحكم مهنته الطبية، يعتبر من الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات، ويلحق الضرر بهم وبأسرهم، ويشين سمعتهم، فيجب تعزيره وتأديبه والتنكيل به ومنعه من معاودة هذا الخلق الذميم الممقوت، هذا رأيي، والله سبحانه أعلم (١) .


(١) راجع شرح الزيلعي على الكنز (٣/ ٢١٠) ، وتبصرة الحكام لابن فرحون (٢/ ٣٦٦ وما بعدها) ، ونهاية المحتاج (٧/ ١٧٤) ، وكشف القناع (٤/ ٧٣ وما بعدها)

<<  <  ج: ص:  >  >>