للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثاً- وأيضاً من الواجب عليه استعمال الحكمة والسياسة والكياسة مع المريض، وعدم التهويل والتهويش بحجم المرض وخطورته وأنه ليس لدائه دواء.

فقد مدح أحد الحكماء الشعراء، طبيباً حاذقاً لبقاً، فقال ما معناه: يكاد من رقة أفكاره، حتى أنه:

لو غضبت روح على جسمها

أصلح بين الروح والجسم

رابعاً- كذلك من الواجب عليه الرفق به، وأن يكون لين الجانب، واسع الصدر، رؤوفاً.

وإذا كان الرفق مطلوباً في كل شيء، فهو بالمريض آكد وأليق.

خامساً- كذلك من الحق عليه بذل النصح للمريض، وأن يظهر له الحقيقة في بعض الأحوال، حتى ولو كانت ضد رغبته ومزاجه.

وإذا رأى من المريض علامات الموت، لم يكره أن ينبه على الوصية بالقول اللين اللطيف.

سادساً- التأني في فهم حقيقة المرض، ومزاج المريض، فإن أكثر ما يقع فيه الطبيب من الأخطاء، هو الإقدام على المعالجة، دون الفحص الدقيق ومعرفة الداء، وقد قال بعض الشعراء الحكماء في ذلك:

أفنى وأعمى ذا الطبيب بطبه

وبكحله الأحياء والبصراء

فإذا نظرت رأيت من عميانه

أمماً على أمواته قراء

سابعاً وأخيراً: عليه أن يعتقد أن طبه لا يرد شيئاً من قدر الله تعالى. وأنه إنما يداوي المريض امتثالاً لأمر الشارع، الذي أنزل الداء والدواء. وما أحسن قول ابن الرومي:

غلط الطبيب علي غلطة مورد

عجزت موارده عن الإصدار

والناس يلحون الطبيب وإنما

غلط الطبيب إصابة الأقدار

وبالجملة: فإن الطبيب الذي يفقد هذه الواجبات والآداب، يكون قد فجع بأهم واجبات مهنته، وما عليه إلا أن يطلب العزاء على فقده إياها. (١)


(١) راجع في هذا: معيد النعم ومبيد النقم لتاج الدين السبكي (ص ١٢٣) ؛ وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة؛ ومعالم القربة في أحكام الحسبة لابن الإخوة القرشي؛ وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>