للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما أوضح المراد من هذه الجملة ما أورده الندوي في وصف هذا الفريق، وما ذكره من عوامل فكرية صاغت تصوراته وأغراضه حين قال: (إنها ترتكز على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها على علاتها، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيراً يطابق ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر، يطابق هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم، والاستهانة بما لا يثبته الحس والتجربة، ولا تقرره علوم الطبيعة في مبادئ النظر من الحقائق الغيبية وأمور ما بعد الطبيعة) (١)

وما من شك في أن هذا الاتجاه كان وما يزال يعتمد في مجال التغيير والتحديث على دعوة المسلمين إلى تقليد الغربيين في أمور الدنيا والدين. فذلك سبيل التقدم والرقي والحضارة، وهو سبيل اللحاق بركب الدول المتحضرة. فلا بدع إذا أصبح من أصول هذا الاتجاه في التفكير والعمل، في العقيدة والسلوك، إنكار ما تنكره الثقافة الغربية ولو كان ديناً، وقبول ما تدعو إليه وتقره تلك الثقافة ولو كان مخالفاً للدين ولما عليه جمهور المسلمين.

ولتأكيد هذا المعنى يعود أحمد زكي إلى تفسير هذه الظاهرة فيصدر فتواه في القضية قائلاً: (ومن البداية أقر الإسلام بأن شرحه في أيدي أهل العلم المتخصصين، لا في أيدي رجال من الكهنوت؛ إذ لا كهنوت في الإسلام، وبذلك كان ديناً تقدمياً إلى أبعد الحدود وإلى ما شاء الله) . (٢)

ولإقناع الناس بهذا المنهج التبعي الانهزامي قام المتغربون في الأول بهجومهم على الإسلام ومصادره بالخصوص، وعلى السنة الشريفة النبوية بطريقة ماكرة: (متقنعين بستار العلم والبحث، متجنبين المصارحة، مفضلين عليها المواربة والمخاتلة) . (٣)

ولما افتضح أمرهم وكثرت الردود عليهم، وصودرت كتبهم ورسائلهم، نصحهم أحد كبرائهم بقوله: (إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية الحرة، فخير طريقة لِبَثِّ ما تراه مناسباً من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك، وألبسها ثوباً رقيقاً لا يزعجهم مسها) (٤)


(١) الندوي: الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية: ٧١
(٢) ثورة الإسلام: ٦٣
(٣) السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٣٦.
(٤) السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: ٢٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>