للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذه النصيحة أخذ المضللون هنا وهناك يدعون إلى موالاة الأعداء على حساب ثقافتهم الإسلامية، والروح الديني المميز لجماعتهم. وكأنهم لا يذكرون ما نبههم إليه القرآن في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: ٧٣] .

قال الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور: (إن لا تفعلوا قطع الولاية معهم، أي المشركين، تكن فتنة ... والفتنة اختلال أحوال الناس التي تحصل من مخالطة المسلمين مع المشركين ... وقد كان الإسلام مثيراً لحنق المشركين عليه. فإذا لم ينقطع المسلمون عن موالاة المشركين يخشى على ضعفاء النفوس من المسلمين أن تجلبهم تلك الأواصر، وتفتنهم قوة المشركين وعزتهم، ويقذف بها الشيطان في نفوسهم، فيحنوا إلى المشركين ويعودوا إلى الكفر) . (١)

وقال سيد قطب: (ومن ثم لا يملك الإسلام أن يواجههم إلا في صورة مجتمع آخر له ذات الخصائص، ولكن بدرجة أعمق وأمتن وأقوى. فإذا لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضه لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي – لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفراداً- وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده، ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله، ووقوع الناس عبيداً للعباد مرة أخرى، وهو أفسد الفساد) (٢)

وقد ظهرت بالمشرقين الأدنى والأقصى من بداية هذا القرن الميلادي ثلة من هذا الرهط الأفاك ذي البضاعة المزجاة من الثقافة الإسلامية، المتعالم فيها، الموالي بروحه وعقله ووجدانه لقادة الفكر الاستعماري والاستشراقي. فسارت على غرارهم تشكك في مصادر الإسلام، وتطعن في الدين، وتنقض أصوله وقوانينه، مستجيشة بذلك قلوب المؤمنين الذين وثبوا مسارعين من جديد إلى رعاية الإسلام ومصادره، فكره وفقهه، أدبه وتاريخه، يدعون إلى ربهم، ويثبتون أفئدة أهل ملتهم كاشفين ما يضمره أعداؤهم من الممالاة والمناوءة، حتى افتضح أمر المتغربين، وخسئوا بما فعلوا {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: ٣٢] .


(١) ابن عاشور. التحرير والتنوير: ١٠/٨٨
(٢) سيد قطب. في ظلال القرآن: ٣/١٥٥٩

<<  <  ج: ص:  >  >>