للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال رحمه الله: (وإذا أردت أن يتضح لك هذا المعنى فتأمل نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر عن بيعتين في بيعة، وعن سلف وبيع. رواه أحمد، ونهيه عن شرطين في بيعة، وعن سلف وبيع في حديث عبد الله بن عمرو. فجمع السلف والبيع مع الشرطين، ومع البيعتين في بيعة. وسر ذلك أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا وهو ذريعة إليه. أما البيعتين في بيعة: فظاهر، فإنه إذا باعه السلعة إلى شهر ثم اشتراها منه بما شرطه له كان قد باع بما شرطه له بعشرة نسيئة.

ولهذا حرم الله ورسوله العينة.

وأما السلف والبيع: فلأنه إذا أقرضه مئة إلى سنة؛ ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة: فقد جعل هذا البيع ذريعة إلى زيادة في القرض، الذي موجبه رد المثل، ولولا هذا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك. فظهر سر قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع)) . وقول ابن عمر: ((نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع)) واقتران إحدى الجملتين بالأخرى لما كان سلما إلى الربا) (١) .

وأما قول البائع: أبيعك على أن تبيعني، أو تؤجرني، أو نحوهما من العقود؛ فالراجح عندي جوازه لحديث: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع)) .

قال الإمام مالك رحمه الله: (وتفسير ذلك أن يقول الرجل للرجل: آخذ سلعتك بكذا وكذا على أن تسلفني كذا وكذا. فإن عقد بيعهما على هذا فهو غير جائز) (٢) .

فالعبارة الأولى من الحديث جاء النهي فيها عن اشتراط السلف في البيع وهذا دليل على قصره على الصورة المذكورة. ولا دليل على تعديته إلى بقية العقود؛ كاشتراط أبيعك على أن تبيعني. وإنما امتنع البيع في أشتري منك بكذا على أن تسلفني من أجل اقتران شيء محرم لعينه به، لا أنه شيء محرم من قبل الشرط (٣) ، وهذا غير موجود في العقود الأخرى.

يؤيده أن العين تكون ثمنا بالاتفاق؛ وفي هذه الحالة لا بد أن يدخلها الاشتراط خلال المماكسة، مثل أن يقول المشتري: أشتري بيتك بمليون ريال على أن تأخذ مني ثلاث قطع من الأرض لقاء هذا المبلغ. أو يقول: أشتري بيتك بالقطع الثلاث، دون أن يذكر مبلغا. وما دام هذا جائزا فاشتراط أبيعك على أن تبيعني، أو تؤجرني، أو تشاركني، ونحوه يكون جائزا.


(١) تهذيب سنن أبي داود ٥/١٤٩
(٢) الاستذكار ٢٠/١٢٦
(٣) بداية المجتهد ٢/١٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>