للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: هذا الشرط يؤدي إلى تعليق العقد الأول على الثاني، قلنا: إن التعليق الممنوع هو الذي يؤدي إلى غرر، مثل أن يقول البائع: أبيعك إذا جاء ابني من السفر، ولا يعلمان وقت مجيئه أو يعلق على أمر مستحيل تحققه. أما الشرط الذي نرى جوازه فإنه يتم عقده خلال مجلس العقد؛ كما يتم ذلك لو لم يشترط عقدا آخر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إنه يجوز تعليق العقود بالشروط، إذا كان في ذلك منفعة للناس ولم يكن متضمن ما نهى الله عنه ورسوله، فإن كل ما ينفع الناس، ولم يحرمه الله ورسوله: هو من الحلال الذي ليس لأحد تحريمه. وقد ذكرنا عن أحمد نفسه: جواز تعليق البيع بشرط، ولم أجد عنه ولا عن قدماء أصحابه نصا بخلاف ذلك. بل ذكر من ذكر من المتأخرين: أن هذا لا يجوز كما ذكر ذلك أصحاب الشافعي) (١) .

وأما الأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول؛ فهي دالة على تحريم بيعتين في بيعة وليس فيها ما يدل على أنها الصورة التي ذكروها.

وأما حديث ((نهى عن بيع وشرط)) فضعفه ابن القطان؛ وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث (٢) وأنكره الإمام أحمد، حيث قال: (لا نعرفه مرويا في مسند) (٣) وقال ابن قدامة: (فلا يعول عليه) (٤) ؛ لأن الشرط الصحيح لا يؤثر في البيع وإن كثر، والفاسد يؤثر فيه وإن كان واحدا. وقد استغربه النووي (٥) .

وحديث جابر وهو أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط حملانه إلى المدينة متفق عليه (٦) يرد الحديث النهي عن بيع وشرط. ويدل على أن الشروط التي فيها منفعة للعاقد تكون صحيحة؛ ومنها أبيعك على أن تبيعني، أو تؤجرني، أو تشاركني، ونحوها.

المطلب الرابع

بيع الحلي وقبض ثمنه ثم الشراء به حليا

وصورته أن يشتري الإنسان من بائع الحلي خلخالا ويدفع ثمنه بالعملة الورقية المتداولة، أو أي عملة مخالفة لجنس الخلخال، ويقبض البائع الثمن ويقبض المشتري المبيع. ثم يبيعه ذهبه القديم ويتسلم قيمته ويتسلم المشتري الذهب.

وهذه الصورة جائزة شرعا بلا خلاف، وهي الأحوط. وإن كان الإمام أحمد رحمه الله يفضل أن يطلب حاجته من غير من باع عليه، فإن وجد وإلا رجع عليه واشترى منه.


(١) نظرية العقد ٢٣٧
(٢) نصب الراية ٤/١٨
(٣) كشاف القناع ٣/١٩١؛ المغني ٦/٢٢٣
(٤) المغني
(٥) المجموع ٩/٣٦٨؛ التلخيص الحبير ٣/١٢
(٦) صحيح مسلم بشرحه ٤/١١٤ و١١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>