للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السبكي: (وليس هذا باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الاحتمالات، وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا يباع حتى يفصل)) صريح لا يحتمل التأويل، وكونه فضالة أفتى به في غير طريقة غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفي سماعه له، فقد يسمع الراوي شيئا ثم يتفق له مثل تلك الواقعة فيفتي بمثله) (١) .

وقال الشوكاني: (إنه لا اضطراب محل الحجة، والاضطراب في غيره لا يقدح فيه) (٢) .

فهذه الروايات كلها متفقة على النهى عن البيع حتى يفصل ولا منافاة بينها فالجمع بينهما بذلك أولى من الحكم على بعضها بالغلط.

وأجيب على الوجه الثاني:

بأن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها وإهدار البعض الآخر. وبأن الحديث فيه دلالة على علة النهي، وهي عدم الفصل، حيث قال ((لا تباع حتى تفصل)) ، وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر، والغنيمة وغيرها.

إن القول بمقابلة الجملة بالجملة، والجزء الشائع بالشائع، لا يقتضي الربا والفساد، وإنما يقتضيه لو كان التفاضل لازما حقيقة، وذلك لا يكون إلا إذا قوبل معين بمعين، وتفاضلا، وحينئذ لا حاجة في التصحيح إلى التوزيع وصرف كل جنس إلى خلاف جنسه عينا، ونحن نقول: هو الأصل، وإنما قلنا: إذا كان تصحيح العقد يحصل باعتباره التوزيع وجب المصير إليه (٣) .

ونوقش الدليل الثالث؛ وهو أن الصفقة إذا اشتملت على عوضين مختلفي القيمة. قالوا: هذه علة ضعيفة؛ فإن الانقسام إذا باع شقصا مشفوعا، وما ليس بمشفوع – كالعبد والسيف والثوب – إذا كان لا يحل، عاد الشريك إلى الآخذ بالشفعة، فأما انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة فلا دليل عليه.


(١) المجموع ١٠/٢٣٦؛ نيل الأوطار
(٢) المجموع ١٠/٢٣٦؛ ونيل الأوطار
(٣) فتح القدير ٧/١٤٦

<<  <  ج: ص:  >  >>