للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناقشة أدلة المذهب الثاني:

١- إن قولهم بصرف الجنس إلى غير جنسه، والزايد في مقابلة الفاضل عن المثل. فيه تغيير تصرف العاقد؛ لأنه قابل الجملة بالجملة، ومن قضيته الانقسام على الشيوع، لا على التعيين (١) ، وهو أن يكون لكل واحد من البدلين نصيب من جملة الآخر. (وبأن اختلاف العوضين من الجانبين، أو من أحدهما يوجب اعتبار القيمة وتوزيع الثمن بالقيمة يوم العقد، فإذا باع عبدا وثوبا ثم خرج أحدهما مستحقا فإنه يرجع بقيمة المستحق من الثمن لا بنصف الثمن) (٢) .

وقد أجيب على هذا (بأن الذي تغير وصف التصرف لا أصله؛ لأنه يبقى موجبه الأصلي وهو ثبوت الملك في الكل بمقابلة الكل) (٣) .

٢-وقولهم: (إنه طريق متعين للتصحيح، بأنه ليس كذلك، بل يحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد، ولذلك لو باع بثمن وأطلق، وفي البلد نقود بطل، ولم يحمل على نقد أقرب البلاد إليه، أما إذا اشترى من إنسان شيئا، فإنه يصح؛ لأن الظاهر أنه ملكه؛ لأن اليد دليل الملك. وإذا باع لحما فالظاهر أنه مذكى؛ لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة) (٤) .

الترجيح:

بعد عرض أدلة الفريقين، ومناقشتها، يترجح عندي، عدم جواز بيع السلعة التي معها ذهب مقصود في الشراء – والتي لا يتعذر فصلها – بالذهب حتى يفصل الذهب عن السلعة، ويباع مثلا بمثل، يدا بيد. وذلك لقوة دليل القائلين به؛ فحديث القلادة صحيح، وصريح في الموضوع، وإجابة المجيزين بأن الأمر بفصلها؛ لأن الذهب الذي مع القلادة أكثر من اثني عشرا دينارا، والثمن إما سبعة أو تسعة، وأكثر ما روي أنه اثنا عشر، فهو دونها في جميع الروايات؛ لا يقوى على دفع دلالة الحديث الذي ورد في بعض رواياته بصيغة النهي، والتي تفيد التحريم عند الأئمة الأربعة، وغيرهم من أهل التحقيق في الأصول (٥) ، وتفيد البطلان عند جمهور العلماء (٦) ،والفساد عند الحنفية (٧) .ولأن الحديث فيه نص على علة النهي؛ وهي عدم الفصل؛ (لا تباع حتى تفصل) وظاهر ذلك عدم الفرق بين الأكثر، والأقل والمساوي، إلا إذا علمت المساواة يقينا.

ولأن قول المجيزين نوع اجتهاد، ولا يجوز الاجتهاد في مقابلة النص. أما إذا كان الذهب في السلعة تابعا لغيره، وغير مقصود بالشراء، أو لا يمكن فصله عنها، أو يمكن لكن يسبب إفسادها، فإني أرى جواز البيع، دون تحديد نسبة معينة. والقول بالجواز في حالة ما إذا كان الذهب لا يمكن فصله، أو أن فصله يسبب فساد السلعة المباعة هو قول جميع الفقهاء، عدا ابن حزم. والقول بجواز البيع إذا كان الذهب في المبيع تابعا لغيره، وغير مقصود بالشراء، وهو قول جماهير العلماء، وهو الأصح من مذهب الشافعية، كما ذكره النووي (٨) . وهو أصح القولين عند البغوي والرافعي وجزم به صاحب التتمة (٩) .


(١) فتح القدير ٧/١٤٤
(٢) المجموع ١٠/٢٤١؛ وانظر المغني ٦/٩٤
(٣) الهداية ٧/١٤٥
(٤) المغني ٦/٩٤ و٩٥
(٥) الرسالة ص٢١٧-٢٤٣؛ كشف الأسرار ١/٢٥٦؛ البرهان ١/٢٨٣؛ الإحكام في أصول الأحكام ٢/١٧٤؛ شرح الكوكب المنير ٣/٨٣
(٦) الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم ٣/٥٤، ٢/٨٢ وما بعدها؛ شرح تنقيح الفصول ص١٧٣؛ جمع الجوامع ١/٣٩٣؛ نهاية السول ٢/٥١؛ فواتح الرحموت (مع المستصفى) ١/٣٩٦؛ حاشية سعد الدين التفتازاني ٢/٩٦؛ المسودة ص٨٢، القواعد والفوائد الأصولية ص ١٩٢
(٧) تيسير التحرير ١/ ٣٧٥ و٣٧٦؛ أصول السرخسي ١/٨١، شرح عضد الملة والدين ٢/٨؛ كشف الأسرار ١/٢٥٦
(٨) روضة الطالبين ٣/ ٣٨٦؛ وانظر مغني المحتاج ٢/٢٩
(٩) المجموع ١٠/٢٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>