للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدليل على ما ذكرناه ما يأتي:

١- عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث قال: قالوا أبو الأشعث أبو الأشعث فجلس، فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت قال: نعم غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ... إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى.. الحديث (١) .

وجه الدلالة: هو بيع معاوية – رضي الله عنه – آنية من فضة، وعدم إنكار عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – لبيع الآنية المذكورة، وإنما أنكر عدم التماثل، وإنكاره لعدم التماثل، يفهم منه تجويزه لهذا البيع إذا تحقق التساوي؛ يؤيده استشهاده للحكم الذي قرره، وهو المنع عند التفاضل، أو عدم التقابض، والجواز عند التساوي والحلول، بقوله: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة ... إلا سواء بسواء عينا بعين)) .

فدل هذا على جواز بيع أواني الذهب أو الفضة للاقتناء، أو لغيره من الأغراض، عدا غرض الأكل فيها، أو الشرب منها، أو لبسها. وهذه المستثنيات، فهمت من أحاديث المنع من الاستعمال في الأغراض المذكورة.

٢- روى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا، فقال أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن (٢) . قال أحمد شاكر: الحديث صحيح (٣) .

وجه الدلالة: أن أبا الدرداء لم ينكر على معاوية بيع السقاية التي هي من ذهب أو فضة، وهي كأس كبيرة يشرب بها، ويكال بها، وإنما أنكر عليه البيع مع عدم التساوي؛ يؤيده قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. ومفهومه أنه إذا كان مثلا بمثل يصح البيع. فدل على جواز بيع أواني الذهب والفضة. وكذلك عمر بن الخطاب لما كتب إليه لم ينكر عليه بيع السقاية، وإنما أنكر عليه عدم التماثل، وأمره أن لا يبيعها إلا مثلا بمثل. فدل أيضا: على جواز بيع أواني الذهب والفضة إذا توفرت شروط التماثل، والحلول.


(١) صحيح مسلم بشرحه ٤/٩٧، سبق إيراده كاملا
(٢) الموطأ ٢/٤٩٢؛ منتقى الأخبار ٤/٢٦١
(٣) الرسالة فقرة ١٥ ص٧٣

<<  <  ج: ص:  >  >>