للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أوضح القاضي ابن رشد الحفيد منشأ الخلاف في المسألة بأن من لم يلزمه بقبضه بعد الأجل رأى أن المقصود من العروض إنما كان وقت الأجل لا غيره. أما من أجاز ذلك وألزمه بقبضه، فقد شبهه بالدنانير والدراهم. (١)

٤٨- وحيث وجب على المسلم إليه تسليم الدين المسلم فيه في مكان معين، فإن جاء به فيه لم يكن للمسلم الامتناع عن تسلمه فيه. فإن شاء المسلم إليه أداءه في غيره، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

أ-فقال المالكية: لا يلزم المسلم قبوله بغير محله، ولو خف حمله. (٢) وكذلك (لا يجوز أن يقبضه بغير المكان، ويأخذ كراء مسافة ما بين المكانين؛ لأنهما بمنزلة الأجلين) . (٣) وبمثل ذلك قال الحنابلة (٤) وكذا الحنفية حيث جاء في (البدائع) : (ولو سلّم في غير المكان المشروط فلرب السلم أن يأبى لقوله (عليه الصلاة والسلام) ((: المسلمون على شروطهم.)) فإن أعطاه على ذلك أجرا لم يجز له أخذ الأجر عليه؛ لأنه لما قبض المسلم فيه فقد تعين ملكه في المقبوض، فتبين أنه أخذ الأجر على نقل ملكه، فلم يجز، فيرد الأجر. وله أن يرد المسلم فيه حتى يسلم في المكان المشروط؛ لأن حقه في التسليم فيه، ولم يرض ببطلان حقه إلا بعوض ولم يسلم له، فبقي حقه في التسليم في المكان المشروط) . (٥)

ب-وقال الشافعية: (إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم، فامتنع المستحق من أخذه، فينظر: فإن كان لنقله مؤنة، أو كان الموضع مخوفاً، لم يجبر. وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل. فلو رضي وأخذه، لم يكن له أن يكلفه مؤنة النقل. قال النووي: قلت: أصحهما إجباره) . (٦)

المسألة الرابعة

تعذر السلم فيه عند حلول الأجل

٤٩-إذا انقطع المسلم فيه (٧) عند حلول الأجل، بحيث تعذر على المسلم إليه إيفاءه للمسلم في وقته، فقد اختلف الفقهاء فيما يترتب على ذلك من أحكام على ثلاثة مذاهب:

أـ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية في الأظهر والمالكية والحنابلة إلى أنه يخير رب السلم بين أن يصبر غلي وجوده، فيطالب به عنده، وبين أن يفسخ السلم ويرجع برأس ماله إن وجد، أو عوضه إن عدم لتعذر رده. (٨)

ب ـ وقال زفر وأشهب والشافعي في قول: ينفسخ السلم ضرورة، ويسترد رب السلم رأس المال، ولا يجوز التأخير. (٩)

ج ـ وقال سحنون: ليس لرب السلم فسخ السلم، وإنما له أن يصبر إلى القابل. (١٠)


(١) ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٣٢
(٢) الخرشي، شرح خليل، مرجع سابق٥/٢٢٨
(٣) ابن جزي، القوانين الفقهية مرجع سابق ص ٢٧٥.
(٤) البهوتي، كشاف القناع، مرجع سابق ٣/٩٢؛ شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢٢٢.
(٥) الكاساني، البدائع، مرجع سابق ٥/٢١٣
(٦) النووي، روضة الطالبين، مرجع سابق ٤/٣١
(٧) وقد حكى النووي ضابط الانقطاع بقوله: (فإذا لم يوجد فيه أصلا، بأن كان ذلك الشيء ينشأ بتلك البلدة، فأصابته جائحة، مستأصلة، فهذا انقطاع حقيقي. ولو وجد في غير ذلك البلد، لكن يفسد بنقله، أو لم يوجد إلا عند قوم امتنعوا من بيعه، فهو انقطاع. ولو كانوا يبيعونه بثمن غالٍ فليس بانقطاع، بل يجب تحصيله ولو أمكن نقله من مكان آخر وجب إن كان قريباً. وفيما يضبط به القرب خلاف، نقل فيه صاحب التهذيب وجهين آخرين، أصحهما: يجب نقله مما دون مسافة القصر.الثانى: من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا. وقال الإمام: لا اعتبار لمسافة القصر، فإن أمكن النقل على عسر، فالأصح أنه لاينفسخ قطعا. (النووي، الروضة، مرجع سابق ٤/١٢))
(٨) البهوتي، شرح المنتهى، مرجع سابق ٢/٢٢٠؛ كشاف القناع، مرجع سابق ٣/٢٩٠؛ ابن قدامة، المغني، مرجع سابق ٤/٣٢٦؛ ابن الهمام / فتح القدير، مرجع سابق ٦/٢١٤؛ ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٣٠؛ الخرشي، شرح خليل، مرجع سابق ٥/٢٢١؛ الشيرازي، المهذب، مرجع سابق١/٣٠٩؛ النووي، الروضة، مرجع سابق٤/١
(٩) ابن الهمام، فتح القدير، مرجع سابق٦/٢١٤؛ ابن جزي، القوانين الفقهية، مرجع سابق ص ٢٧٥؛ الشيرازي، المهذب، مرجع سابق ١/٣٠٩؛ ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٣٠؛ النووي، الروضة، مرجع سابق ٤/١١.
(١٠) ابن جزي، القوانين الفقهية، مرجع سابق ص٢٧٥؛ ابن رشد، بداية المجتهد، مرجع سابق ٢/٢٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>