للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والموضوع الذي بعده هو: اشتراط قبض بضاعة السلم قبل بيعها، والتي هي بيع المسلم فيه قبل القبض، وهي مسألة الخلاف فيها واسع.

قال ابن قدامة تعليقا على المنع: (أما بيع المسلم فيه قبل قبضه فلا نعلم في تحريمه خلافا، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن بيع الطعام قبل قبضه وعن ربح ما لم يضمن؛ ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه.)

قلت: الخلاف في تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه موجود، فقد منع المالكية بيع المسلم فيه قبل قبضه إذا كان طعاما، وجوزوا بيعه قبل قبضه إذا لم يكن طعاما سواء باعه من المسلم إليه أو من غيره، إلا أنه إذا باعه من المسلم إليه قبل الأجل فلا يجوز أن يبيعه بأكثر من الثمن الذي اشتراه به، وإنما يبيعه بمثل الثمن أو بأقل، ويقبض الثمن، وأما إذا باعه من غير المسلم إليه فيجوز بيعه بأكثر من الثمن أو بأقل منه أو بمثله إذا قبض الثمن. ونقلت لكم عبارة عن المدونة تؤدي هذا الكلام، هذا هو مذهب الإمام مالك، وما ذكره ابن قدامة من تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه هو رأي الجمهور وليس إجماعا، وهو الراجح عندي الذي ينبغي العمل به بالنسبة لبيع المسلم فيه من غير بائعه؛ لأنه هو الذي تدل عليه الأحاديث الواردة في بيع ما لم يقبض. والبيع من غير بائعه أما بيعه من بائعه فسيجيء الكلام عنه.

والعلة في تحريم بيع السلعة قبل قبضها هي:

الربا، والغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، والعلة الثالثة أن المسلم فيه قبل قبضه من ضمان البائع ولا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض، فبيعه قبل قبضه يدخل في النهي عن ربح ما لم يضمن، وقد أشار المغني إلى هذه العلل الثلاث.

بعد هذا الكلام عن المراد بالقبض ولا بد من ذكره لأنه انبنى عليه جواب عن سؤال.

اختلف الفقهاء في المراد بالقبض فيما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر (المنقول) وهذا السلم لا يكون إلا في المنقول، والذي أرجحه هو أن المنقول إذا كان مقدرا فقبضه يكون باستيفاء قدره، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، وإذا كان جزافا فقبضه بنقله من مكانه، وهو مذهب الحنابلة ورواية عند المالكية، وفيما عدا المقدر والجزاف يكون القبض بما يعتبره العرف قبضا، وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وذلك عملا بالأحاديث المصرحة بالأمر بالكيل فيما بيع بالكيل، والأحاديث المصرحة عن بيع الجزاف حتى ينقل، وعملا بالعرف فيما لم يرد فيه نص.

<<  <  ج: ص:  >  >>