للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدكتور وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم،

لا شك أن البحوث المقدمة في موضوع السلم وتطبيقاته المعاصرة تشتمل على أمرين، الأمور التقليدية عند الفقهاء والشروط المقررة في هذا الجانب والتي أحصاها الحنفية أن السلم يشترط فيه سبعة عشر شرطا، وكل ذلك خروج من المحاذير والمخالفات الشرعية المتعلقة بأمرين: أمر الربا، وأمر الغرر، فالقضايا التقليدية التي ذكروها ورجح بعض الإخوة الكرام بعض هذه الآراء فنحن قد نخالفهم في هذه الترجيحات، ولكن المهم في الموضوع هو التطبيقات المعاصرة لهذا العقد، والذي ينبغي أن يحتل المكانة الملائمة له خصوصا في ميدان مجالات أنشطة البنوك الإسلامية التي بفضلها تحرك الفقه الإسلامي وأصبح يتفاعل مع السوق بعد أن كان مجمدا حيث عطل هذا الفقه عن التطبيق في كثير من الدول العربية والإسلامية. فلذلك إذا أردنا إنجاح هذه التجربة البنكية الإسلامية فينبغي أن نكون على قدر من التفاهم والتفاعل مع مقتضيات السوق وحوائج الناس حتى لا يقعوا في الربا الصريح. كل هذه التجربة هي هروب من الوقوع في الربا الصريح. فإذا أجاز بعض العلماء هذه الآراء فلا مانع من الأخذ بها. هذه مقدمة. أما الأمور التقليدية فنحن سمعنا أن الأخ فضيلة الشيخ الصديق يضعف مذهب الشافعية في القول بالسلم أن السلم الحال عند الشافعية هو طريقة لتسويغهم بيع العين أو الغائبة أو العين الموصوفة في الذمة، كما أشار الأخ الشيخ حسن. فإذن هو طريقة، فهم لا يجيزون بيع العين الغائبة، لكنهم من جانب آخر أجازوها عن طريق بيع السلم الحال. والحديث الوارد في السلم ((من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)) قالوا: الحديث لا يشترط وجود الأجل وإنما يشترط العلم بالأجل.

وهذه نقطة دقيقة تبين دقة المذهب الشافعي في هذا الموضوع وأن القياس يقضي بذلك إذا كان البيع جائزا والسلم الحال هو صورة أخرى من صور البيع، فلماذا لا يكون جائزا أيضا؟ حتى التأجيل يمكن –حتى على رأي الشيخ الصديق-يمكن أن يكون التأجيل بحسب اتفاق الطرفين ويمكن أن يتم التأجيل لساعات، ويسمى تأجيلا فلماذا نمنع هذا ونقول: إن المذهب ضعيف في بنيته وفي أدلته مع أن الدليل في الواقع يؤيد مذهب الشافعية؟ وأما آية {تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} ،واستشهاد ابن عباس أن هذا دليل على مشروعية السلم نوقش هذا الكلام أيضا وأن الآية لا تدل صراحة على هذا النوع من العقد ولا حاجة للاستدلال الضمني لمشروعية السلم ما دام الحديث صحيحا وجائزا، هذه ناحية. فإذن أنا أريد القول ببقاء مشروعية السلم الحال بالإضافة إلى السلم المؤجل وتبدو تسويغاته –كما ذكر الشيخ حسن-سليمة وقوية وهو رأي الشافعية والإمامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>