للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-شواهد الحنفية في سد الذرائع:

يأخذ الحنفية (١) بمبدأ سد الذرائع من خلال الاستحسان المصلحي، فهو وجه من وجوه العمل بالمصلحة، أو من طريق اجتهادات أخرى، كقولهم بمنع بيوع الآجال مثل المالكية والحنابلة، كأن يشتري شخص سلعة بألف حالة أو نسيئة، ثم يقبضها، فلا يجوز له أن يبيعها من البائع بخمسمائة، قبل أن ينقد الثمن الأول كله أو بعضه، لما فيه من شبهة الربا، والشبهة ملحقة بالحقيقة في باب المحرمات احتياطًا.

ومن الأمثلة عندهم: استحباب صوم المفتي يوم الشك سرًا، حتى لا يتهم بالعصيان، مع إفتائه العام بالانتظار بدون طعام وشراب إلى وقت الزوال، ثم يأمرهم عند الزوال بالإفطار، منعا من اعتقاد الزيادة.

وتحريم مقدمات الوقاع (الوطء) على المعتكف كاللمس والقبلة، دون الصائم الذي يأمن على نفسه؛ لأن الوطء محرم على الأول بالنص قصدًا في قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] ، وعلى الثاني ضمنا، من الأمر بالإمساك عن المفطرات فالتحقت المقدمات بالتحريم في الأول، ولم تلتحق في الثاني. ونصوا (أي الحنفية) على أن الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء (٢) . ومنع الفتيات الشابات من الخروج إلى الجماعات؛ لأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام، فهو حرام (٣) .

ومنع الاستمتاع بالحائض بما يقرب الفرج؛ لأنه سبب للوقوع في الحرام، وحرم ابن عابدين إحداث الغرف والخلوات في المساجد، ولو كان الأصل في إحداثها معاونة طلاب العلم الفقراء على الدرس والتحصيل؛ لأن أكثر المنتفعين بها اليوم معرضون عن طلب العلم، لاهون بالطبخ والأكل والشرب والغسيل وغير ذلك، مما يؤدي إلى تقذير المسجد (٤) .

وكره الحنفية اتباع رمضان بست من شوال، من غير فصل بإفطار يوم العيد؛ خوفًا أن يلحق بالفريضة، وقدم الحنفية ديون الصحة على ديون مرض الموت، وديون المرض المعلومة الأسباب كبدل مال ملكه أو استهلكه أو مهر امرأة تزوجها، على الديون المقر بها من غير علم بأسبابها، منعا من تهمة الإقرار ولأن حق غرماء الصحة تعلق بمال المدين (٥) .


(١) الذرائع للأستاذ هشام البرهاني: ص ٦٥١-٦٥٦
(٢) فتح القدير ٢/١٣٢
(٣) البدائع ١/١٥٧
(٤) حاشية ابن عابدين ٣/٣٧١
(٥) فتح القدير ٧/٢ وما بعدها

<<  <  ج: ص:  >  >>